سوالف المتقاعدين على أبواب الدكاكين / أحمد المثاني

سوالف المتقاعدين
على أبواب الدكاكين

أظنّ ، و بعض الظنّ إثم ، أنّ الإنسان قد اخترع ” التقاعد” بعد أن نجح باختراع الوظيفة ، و بما يلازمها من شكليات .. الدرجة و الرتبة .. الرئيس و المرؤوس .. و النظم و التعليمات .. و كشرة المدير و فخامة المكتب .. و فنون النفاق و التزلّف .. و الفساد و الوشاية
ثمّ بعد أن تستهلك الوظيفة صاحبها أو قبل نهاية الصلاحية ، و بحسب مزاج الوزير ، يأتي ، مثل
القدر الذي لا يُردّ .. قرار إحالة الموظف على التقاعد .. بمختلف المبررات .. و بالنتيجة ترفد الوظيفة المجتمع بجيش من المتقاعدين .. بعد أن يكون كثير منهم قد أستهلك ، و كادت تنتهي فترة الصلاحيّة .. باستثناء عدد
أصابتهم قرارات الابعاد و الإحالة
خلاصاً من معارضتهم و مشاكستهم

يعيش بعض المتقاعدين على نية
اللعب بالكلمة مت – قاعد !
و فعلاً ، تراه قد أصبح يذبل كما يذبل العود الأخضر .. و تحزن حينما تراه قد فقد حيويته و فقد شهوة الحياة و أناقتها و جمالها ..
فلم يعُد يهتم بمظهر أو محضر ..
و تراه قد اعتراه الاكتئاب ، كأنما هو جالس في محطة العمر ينتظر قطار المنية .. ليودع هذه الفانية و يقول للدنيا باي باي ..!
و إذا جرّك حظّك لتستمع إلى أحاديث الكثيرين من عباد الله المتقاعدين .. تجد لهم مجتمعاً جديداً و ألفة و رفقة جديدة .. تنكمش عن حياة الوظيفة ، أيام حمل الأختام و مهر الأوراق و توشيح التواقيع !!
الحديث يدور على أبواب الدكاكين
و كله من صيغة ” كان” و ” كنت ” و أخواتها .. حديث عن زمن مضى و ممارسات و أعمال و انجازات و ربما بطولات .. بعضها له شاهد .. و كثير منها تمضية وقت ..
في مجتمعات أخرى يتقاعد الموظف باحترام مسؤوليه و تقديرهم لخدماته .. و يبدأ حياة جديدة ينصرف فيها لهواياته و
للسياحة و تعرّف بلاد الله الواسعة
و ترى العجائز يأتون الى بلادنا و يزورون الآثار .. و تراهم مبتسمين و هم يركبون حصانا أو حماراً .. في شمس بلادنا و رمالها ..
فلماذا نحن اذا ما تقاعدنا صرنا عبئاً على الدولة و على الزوجة !!!
حتى أن الكثيرين يخشون مجالسة العائلة و الزوجة .. فيطفشون في الأسواق و أبواب الدكاكين .. لعل
مردّ ذلك أننا نعتبر الوظيفة تحقيقا
لذواتنا و سلطتنا .. فكيف اذا جُرّدنا
منها ..?! و كذلك نحن لا نحسن الإعداد للمستقبل .. و لربما أننا نفتقد الهواية الممتعة .. فنعاني من الفراغ .. الذي كنّا ننشده ..

أيها المتقاعدون ، الحياة تجري و من سننها أن تتبادل الأجيال الأدوار
و ايام العمر قصيرة .. فانظروا لما تبقى من أيام بعين الرجاء و السعادة .. امسحوا صابون الحلاقة عن آذانكم .. تجمّلوا و تعطروا
فلكل مرحلة من العمر جمالها
و دمتم بخير ، اخوكم المتقاعد

– أحمد المثاني –

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى