صيد الكباري.. هدوء الهامش في ضجيج القاهرة

سواليف – يتجاورون في مجموعات على أرصفة الكباري النيلية العشرة في القاهرة، يجلسون صامتين أغلب الوقت، إلا من ملاحظة عابرة حول انقطاع خيط الصنارة أو تعطل ماكينة الجر الخاصة بها.

تراهم في أي وقت وفي كل وقت يعطون ظهورهم لدراما الحياة على الكوبري ولا ينتبهون رغم علمهم أن لكل سيارة قصة ولكل راكب حكاية.

يجلس صياد الكباري ساعات طوال أحياناً من أجل التقاط سمكة لا يتجاوز حجمها أصبع البنصر، لكن الأمر لا يعنيه إطلاقاً. ففي أحيان كثيرة يتبرع بما اصطاده لزميله الذي يعتبر هذه الهواية عمله الذي يرتزق منه ليؤمن لقمة عيشه.

يقول «محمد قليوبي» (30 عاماً) يشتغل أعمال حرة: « نذهب أنا وصديقين لي، أحدهما محاسب والآخر محامي، بعيداً عن القاهرة، أحياناً إلى الصيادين في مناطق صيد الشبك ونقرر قضاء اليوم في مساعدتهم ثم نعود ظهر اليوم..الصيد هو متعتنا وهو هدفنا وليس السمك».

مقالات ذات صلة

ويضيف :»أحيانا نذهب للصيد بالصنارة وبعد أن نقرر العودة نبحث عن أقرب صياد ونعطيه ما اصطدناه إذا لم نقرر تناوله كوجبة غداء في الهواء الطلق».

وصياد الكباري في القاهرة لا يلفت الأنظار إليه لأنه – تقريبا – أصبح جزءاً من صورة الكوبري في عقل سائق السيارة الذي يرى دائماً مجموعة من الأشخاص يجلس كل منهم على مقعد صغير وتجاوره حقيبة تحمل مستلزمات رحلته، وجميعهم ينظرون نحو الماء في حالة هدوء تام.

الاقتراب من هذا الصياد وبدء حوار معه ليس صعباً، لكن استكمال الحديث هو الصعب فعلاً. فالشخص الذي يجلس كتمثال طوال ساعات لا يستطيع أن يتحدث إلا حول السمك والصيد والطُعم (يكون في العادة عبارة عن ديدان البحر توضع في خيط الصنارة ليساعد على لفت انتباه الأسماك، وجذبها) وأنواع الصنانير، ولا يلتفت لما يحيط به من عالم موغل في الحيوية ومتطرف في دراميته.

أما حقيبة الصياد فتحتوي بشكل أساسي على راديو صغير، وساندويتشات، وبراد شاي، وأربعة أكواب ليشارك الزملاء شرب الشاي، وفق ما تحدث به «هيثم علي» (24 عاما) الذي يعمل موظف باحدي شركات المحمول.

و»يستخدم بعض الصيادين، العمود، وهو عبارة عن أربعة أطباق من الألمنيوم موصولة ببعضها ويحتفظ فيها بالطعام «وهؤلاء قد يصطادون كيلو سمك لا يتجاوز ثمنه ثلاثين جنيها (خمسة دولارات) يعيشون بها ويأتون للصيد في اليوم التالي». يضيف هيثم.

ورغم ذلك لا توجد قاعدة محددة لحجم الرزق الذي يمكن أن يعود به الصياد، فالصنارة يمكن أن تغمز (تلتقط سمكة) كل عشرة دقائق تقريباً، ويمكن أن ينتظرها ساعات طوال يستعرض خلالها في عقله همومه وأفراحه وأحزانه ويغرق في أحلام اليقظة، لكن مجرد حركة بسيطة للصنارة تجعله ينتبه فوراً.

يضيف محمد قليوبي: «اعتقادي أن الصنارة سوف تغمز، وأنني سأرى سمكة تحاول الفرار من صنارتي يجعلني أنتظر العمر كله وليس ثلاث ساعات فقط».

بعض الهواة يذهبون إلى الكباري الأقرب لأماكن إقامتهم، والبعض لا يعنيه إلا وجود السمك.. ويكتفي هواة صيد الكباري بأنواع قليلة من السمك النيلي، وهي البُلطي متوسط الحجم، والسلوار، وبعضهم يصطاد نهاراً فلا يحتاج إلى «طُعم « يوضع في الصنارة من الأصل، وآخرون يستخدمون الطحالب كطُعم أو الديدان. ومن بين 67 كوبري في القاهرة تقطع النيل وحده عشرة هي «كوبرى 6 أكتوبر» و»قصر النيل» و»امبابة» و»الجلاء» و»الجامعة» و»عباس» و»الملك الصالح» و»الساحل» و»المنيب» و»الزمالك».

الاناضول

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى