شهلا العجيلي تتأمل «مسارات ثقافيّة في واقع الرواية العربيّة»

استضافت لجنة الدراسات والنقد في رابطة الكتاب الأردنيين، مساء أول أمس، الناقدة والروائية الدكتورة شهلا العجيلي، في محاضرة حملت عنوان: «مسارات ثقافية في واقع الرواية العربية»، أدارها الكاتب والناقد فوزي الخطبا، وسط حضور من المثقفين والمهتمين. واستهلت الدكتورة العجيلي محاضرتها بالإشارة إلى أن خريطة الإبداع تبدو معقّدة، ممّا يجعل النقد مهمّة شاقّة، ويجعل النقّاد قلّة، بالقياس على أنّ الشجعان قلّة، وإنّ ما جعل مهمّة الناقد صعبة هو شرط الرواية ذاته الذي عرفناه منذ عصر التنوير العربيّ، والمتمثّل بالمعرفيّ الجماليّ، الذي اتسع وتشعب مع الكشوفات الهائلة، وتداخل المعارف، وسرعة الوصول إلى المعلومة. يحتاج الناقد  فضلاً عن علمه التخصّصيّ إلى معرفة في التاريخ، والفلسفة، والثقافة، والسياسة وعلم الاجتماع، والفنون، والتحوّلات، والعالم الرقميّ، وتحوّلات الاقتصاد، ومتابعة المستجدّات والصرعات، فضلاً عن الفنون الرئيسة العربية والعالميّة، كي يلاحق هذا الكم الهائل من معارف الآخرين ونزوعاتهم الثقافيّة المتطرّفة أحياناً، إنّ الناقد شخص واحد عليه أن يستوعب بمعارفه معارف مئات الروائيّين، لذا صار النقّاد قلّة، إذ: «لولا المشقّة ساد الناس كلّهم..». وبخصوص «موت الرواية»، قالت العجيلي: الرواية ستستمرّ لأنّها تتكيّف، ولا تظهر حصانة تجاه الجديد، ولا تأتي فرصتها في الاستمرار لكونها جزءاً من مدوّنة تاريخيّة أو سياسيّة للأنساق كما يعتقد البعض، بل لأنّها بديل عن الفلسفة الغائبة في طرحها لأسئلة ومجادلات حول الوجود، والتأصيل والهوية والمستقبل، وهذه الأسئلة ناتجة عن ذات قلقة ومغتربة، بل مذعورة. وترى العجيلي أن تكيّف الرواية مع المستجدّات يجبرنا على قبول الاختلاف، ولعلّ قبول الاختلاف قضيّة صعبة بسبب اعتيادنا وولعنا بالمشاريع الكبرى التوتاليتاريّة، لاسيّما في مجتمعاتنا غير الديمقراطيّة، فالسياسيّون وأصحاب الفعاليّات الاقتصاديّة يحبّون المشاريع الكبرى  لأنّها تلفت الانتباه، وتبرز فردانيّتهم، وتستوعب الأخطاء في الوقت ذاته، وتلك المشاريع الكبرى قوامها المعياريّة الثابتة، التي يتساوى فيها الجميع. علّق «آندي وارهول»، على معياريّة كوكاكولا قائلاً: الرئيس يشرب الكوكاكولا ذاتها التي يشربها المتسكّع على ناصية الشارع، فمعيار الجودة ثابت بلا مفاضلة! هذا ما حدث مع الرواية، إذ فرض النقد لوقت طويل المعياريّة: الكلاسيكية، والرومانتيكية بتفرّعاتها، والواقعية بتفرّعاتها، وما خرج على ذلك  كان في إطار التجريب. لكنّ ذلك لم يعد كافياً لنقد النصوص،ففي الأدبكما فيالاقتصاد: المعايير العالية الموحّدة أمر مستحيل، وغير مرغوب فيه.ولفتت المحاضرة النظر إلى أن الرواية لم تعد تقبل (معياريّة الكوكاكولا)، فشرطها المعرفي الجماليّ الذي يفرض التنوّع، لا سيّما مع تقدّم مسيرة البشريّة في العلوم والآداب والفنون، سيفرض الاختلاف، وسيفرض انعدام وجود معايير ثابتة، لكنّ الأهمّ هو أنّقبولنا الاختلاف يعني قبولنابوجود روايات غير جيّدة من وجهة نظر المجموع، إلى أن يأتي الناقد ليضيء عليها، فيجعلها مقنعة، أو يؤكّد تهافتها، لاسيّما أنّ التمييز بين النجاح والفشل لم يعد من السهولة بمكان، ويعتمد على سيرورة عمليّة الكتابة للروائيّ الواحد، وهناك تجارب وأفراد تمّ تقديرهم لاحقاً. وخلصت العجيلي إلى أن المسارات الثقافيّة التي تخوض فيها الرواية العربيّة اليوم، ما تزال تحت مظلّة سياسات الهويّة الإثنيّة والقوميّة والجندريّة، لكن مع تمثيلات مغايرة، إذ صارت الرواية تنتصر لإثنيّات الضحايا الأكثر بؤساً في مقابل إثنيّات الأنساق الذاتيّة، كما اقتصر المتخيّل الوطنيّ على الدول الناشئة التي تحتفل بوجودها الجديد على خريطة العالم، أمّا الهويّة الجندريّة فاتخذت شكلاً عنيفاً في الكتابة من منطلق النسويّة الإسلاميّة الرافضة، لكنّ المسار الثقافيّ الذي يمكن تلمّسه بوضوح في هذا التوقيت هو مواجهة سياسات الهويّة بما بعدها بصيغة وجوديّة تشكّك في هذه الانتماءات كلّها، وتبرز ذاتاً تعلي من أناها بعيداً عن رؤية نرسيس، وقريباً من رؤية كافكا حين صوّر «المسخ».

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى