معلم النوم !! / أمير شفيق حسانين

معلم النوم !!

لا يمكن لعاقل أو واعٍ ،ومدرك لحجم المسئولية ، أن يتخيل قصة معلم اللغة العربية ، الذي قضي معظم العام الدراسي، نائماً بشكل يومي داخل الفصل، دون قيامه بمهام عمله ،كمعلم مسئول ،عليه حقوق وواجبات تتمثل في تهذيب وتعليم الطلاب ، بل استغل – هذا المعلم – وقت الحصة التي – هي – ملك للطالب ، لأجل الدخول في حالة نوم عميق !!
كان الأستاذ راغب يدخل حجرة الفصل ، فيبادره الطلاب – كالعاده – بالقيام ، احتراماً لشخصه ، فيُلقي السلام عليهم ، ثم يأمرهم بالجلوس ، وبعدها يمسك بأصبع الطبشور ليكتب عنوان الدرس ، الذي لا يشرحه ، ويضع بجواره تاريخ اليوم ، ثم يكتب بعض الجمل ، وبعدها يسرع نحو المكتب الخشبي الموجود داخل الفصل ، ليضع رأسه عليه ، ليذهب في حالة قيلولة وسُبات !!
لم يفكر المربي الفاضل في أن يستيقظ مرة ، ولو لجزء بسيط من الحصة ، لشرح درس ما أو توضيح قاعدة نحوية يصعب علي الطلاب فهمها ، ولكنه استخف بالمسئوليه الملقاه علي عاتقه ، ولم يتيقن من مراقبة ربه الأعلي ، بل لم يسمع لصوت نفسه اللوامه ،التي عاتبته بشأن حرمانه الطلاب من متعه تعلم اللغة العربية وبلاغتها وآدابها ، ولكن الأستاذ راغب إستند إلي حجج شيطانية ، سولتها له نفسه ، بكونه معلماً بمدرسة حكومية ، ولا يوجد رقيب عليه أو محاسب له ، فنام ، وقلبه مُطمئن بالباطل ، وخلع ثوب رسالة المعلم القدوة ، وتناسي ثواب ضرورة إتقان العمل !!
وعندما كان يعلو صوت الطلاب ، أثناء نوم الأستاذ راغب ، كان يستيقظ ، غاضباً ، منفعلاً ، بسبب صُنعهم حالة ضجيج ، وقطعهم للذة نومه وأحلامه ، ثم ينهرهم بشده ، حتي يلتزموا الصمت والسكون الشديدين ، رهبةً وفزعاً من نظرات معلمهم ، وخوفاً من بطشه وعقابه !!
تمر الأيام والشهور ، ويبقي حال المعلم علي ما هو عليه ، لا يتغير ولا يتبدل ، فالنوم يعقبه نُوم ونُعاس، وقيلولة وسُبات ، حتي أن الأستاذ راغب دخل يوماً حجرة الفصل ، والغضب يكاد يمزق وجهه العبوس ، وكان قد علم بأن أحد الطلاب ، قد اشتكاه إلي إدارة المدرسة ، وأخبرهم بإمتناع مُعلم اللغه العربية عن شرح مادته ، ولجوءه إلي النوم داخل الفصل ، وعندما عَلِمَ المعلم بتلك الشكوي ، وجه رسالة شديده اللهجة لطلاب الفصل ، وأخبرهم بأنه طالما قد كتب بدفتر تحضيره بنود الدرس وعنوانه وأهدافه ، فهو بذلك في أمان تام ، عن أي مساءلة قانونية أو إدارية ، سواء من جانب إدارة المدرسة ، أو من أي لجان متابعه خارجية تتبع قطاع التعليم .
كان الطلاب المساكين في حالة عجب شديد ، من حديث معلمهم ، عندما وصف مصر ، بأنها مجرد دولة ورق وأختام وتوقيعات ليس أكثر ، ولا يعني وزارة التعليم إن كان المعلم يشرح داخل الفصل من عدمه ، فالتحضير الكتابي بالدفتر، هوالفيصل الوحيد بين عمل المعلم ، أو تقاعسه عن مهام هذا العمل !!
اضطر الطلاب لأن يستسلموا لإصرار معلمهم علي عدم شرح دروسهم ، بل سارعوا بالالتحاق بالدروس الخصوصية للأستاذ راغب ، خارج المدرسة ، حتي يعوضوا من فاتهم من دروس لم يشرحها لهم ، حيث كانت حجرة الدروس الخصوصية تكتظ عن آخرها بالطلاب ، لدرجة أن الأستاذ راغب، كان حريصاً علي خروج طلابه بعد انتهاء حصة الدرس ، في شكل فرادي ومثني وثلاث ، حتي لا يلحظ الجيران ، أعدادهم الكبيرة ، لأنه كان يخشي علي نفسه من الحسد و أعين الناظرين .
وليعلم الأستاذ راغب ، صاحب سيرة النوم ، أنه قد ظلم بفِعلته ثلاث ، فأول ظُلمه ، هو تقاضيه مالاً، مُقابل عمل لم يعمله ،وهذا المال سينفقه علي نفسه وأهل بيته ولم يسأل نفسه ، أهذا المال حلال أم حرام؟!، وثاني ظُلم لذلك المُعلم ،هو ظُلمه لمستقبل طلابه ، وحرمانهم العِلم ولذة التعلم والإبحار في لغة القرآن الكريم ،وأما ثالث ظُلمه ، فقد ظلم رسالة المعلم ، وأساء لها ، ولم يعي أن تلك الرسالة السامية ،لاتقل أهمية عن رسالة الأنبياء المُكرمين!!

Amirshafik852yahoo.com

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى