أقرب إلى الدين و إلى الله …أقرب إلى ما يهمك / أحمد ابو بدر

أقرب إلى الدين و إلى الله …أقرب إلى ما يهمك
تنشر إحدى الشركات العاملة في قطاع الاتصالات إعلانات ترويجية لمنتجاتها و خدماتها ضمن إعلانات الجرائد و الإذاعة و التلفاز و أصبحت تختتم إعلاناتها في الآونة الأخيرة بعبارة قريبة من ناحية الصياغة لعنوان هذا المقال حيث يشترك عنوان المقال مع تلك العبارة في شطره الأخير أما الشطر الأول من تلك العبارة فيختلف كلياً عن بداية عنوان المقال و لعل معظم القراء لهذا المقال عرفوا معنى ما أقصد.
ما علينا من الشركة و لا من إعلاناتها و ليس موضوع المقال أصلاً يدور حول خدمات تلك الشركة , لكن ما سأتناوله في هذا المقال هو ذات العبارة التي اختتمت بها الإعلان و التي ذكرت في نهايتها أنها أقرب إلى ما يهمك (أي مخاطبة الجمهور) و أنا هنا سأخاطب متلقي الإعلان في البداية بسؤال حول ما هو فعلاً الأمر الذي يهمك ؟؟

إن كان جوابك مطابقاً لما ورد في تلك العبارة الإعلانية بأن التسلية و الترفيه هي ما يهمك فأقول لك و هل خلقك الله تعالى لذات الغرض الذي تريده أنت و هل كان الغرض من خلق الخلق و تقسيم الرزق أن تكون التسلية و الترفيه هدفاً مهماً و أولوية لدى بعضنا خاصةً و إن علمنا قوله تعالى:”( وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين)” (1) و هل يعتبر من الصحيح إعطاء الأولوية في وقتك و مالك لما يسليك و يلهيك في ظل ما تواجهه الأمة و الوطن من محن و فتن , فنحن كما تعلمون لسنا في زمن السيادة و التمكين بل في زمن التمحيص و المخاض العسير لبداية جديدة لأمة كانت خير أمة أخرجت للناس لكنها حادت في معظمها فيما مضى قبل بضعة عقود نحو المعاصي و التسالي و الترفيه وما قد يكون فيها من شهوات و آثام و مضيعة للفرائض و الوقت و المال فضلاً على أن بعض وسائل و طرق و أساليب التسلية تندرج أخلاقياً ضمن الجرائم أي أن مرتكبها يجب أن يعاقب و يؤدب ليعود عن غيه و ترفه و فجوره و فسقه فكان أن لقينا من الذل و الهوان بين الأمم ما كان و الله المستعان.

لوحظ في السنوات الخمس الأخيرة حجم الازدياد الملحوظ في التهافت على اقتناء وسائل الترفيه و التسلية في المجتمع و بكافة أشكالها و أنواعها بل و أسعارها و قد ساهمت التكنولوجيا الحديثة بامتداد تلك الوسائل و انتشارها بشكل أكبر حتى وصلت لمختلف الأعمار ذكوراً و إناثاً بل وإلى مختلف الطبقات أغنياء و فقراء و ظاهر هذه الصورة أنه لا بأس من أن يحظى جميع من في المجتمع بنصيب وافر من التسلية و الرفاهية أياً كان وضعه الاجتماعي أو عمله أو سنه أو حتى تعليمه لكن باطن الصورة يخفي مآسي عميقة و ويلات و أمراض مجتمعية مهلكة لا تخفى على ذي لب و بصيرة لو تأمل و لو قليلاً فيما يحدث حولنا .
ألم تلاحظوا خلال السنوات الخمس الأخيرة ظهور بعض المهرجانات ذات الطابع الغريب و انتشار صيتها بين أوساط الشباب و الفتيات ؟ ألم تلاحظوا أن برامج تلفزة لا بل قنوات فضائية و محطات إذاعية و صحف و مجلات و جرائد أصبح هدفها الأول و شغلها الشاغل هو تقديم و إيصال و نشر التسلية و الترفيه سواءً المباح منه أو المحرم دوناً عن أي شيء آخر؟؟؟ ألا تحسون أحياناً بوجود نشاطات عجيبة لا تصح في ديننا و لا في موروثنا الأخلاقي قد بدأت تصبح مألوفة رويداً رويداً و تلقى رواجاً لدى جيل الشباب و المراهقين؟؟؟؟ ألم تسمعوا و تقرأوا في وسائل التواصل الاجتماعي و الانترنت و غيرها عن حفلات مريبة تقام في مناطق و بقاع متفرقة من قبل أناس يقفون على طرف نقيض مع الفضائل و الأخلاق الحميدة ؟؟؟ لدرجة أن بعضهم أصبح يدافع عن هؤلاء و يستقطب من يدافع عن أفعالهم و تصرفاتهم المنكرة و كل ذلك بحجة التسلية و الترفيه, هل أصبح الترفيه و التسلية لدى شريحة ليست بالبسيطة من المجتمع هو أكبر همهم و مبلغ علمهم و هو من يقرر مصيرهم ؟؟؟.

لنا في التاريخ عبرة و التاريخ يقول لنا كلما كان اهتمام أي شعب من الشعوب بالتسلية و الترفيه هو المهم و الأساس في أسلوب حياته كلما اقترب من نهاية وخيمة و عاقبة أليمة تنهي مظاهر الانحلال و الرذيلة الناجمة عن التمادي و الإسراف في التسلية و الترفيه بل كلما كانت تلك النهاية أقرب للانهيار و التشرذم و لننظر إلى من حولنا و نلاحظ بدقة ما الذي حدث معهم و على سبيل المثال لا الحصر فإن معظم من ذهب إلى سوريا يدرك تماماً أنه خلال الخمسين سنة الماضية قبل الثورة السورية انصب اهتمام بعض المدن و المهن و الشخصيات بل و بعض الطوائف في سوريا على صناعة الأفلام و المغريات الشهوانية من رقص و مهرجانات و حفلات و مسرحيات و مسلسلات ماجنة و سادت بين أوساط السوريين عادة السهرات و الحفلات في المقاصف والملاهي الليلية قبل قيام الثورة السورية، حيث كانت تلك الملاهي تستقطب راقصات ومغنيات من سوريا وخارجها وخاصة من بلدان المغرب العربي و مصر و لبنان ، ليحيين حفلات ليلية راقصة تترافق مع وجبات الطعام ومشروبات بينها محرمات بل حتى أن المخدرات و الحشيش في تلك الليالي الحمراء كانت حاضرة و بكل سفور مما أدى لانتشار الانحلال الديني و الفساد الأخلاقي بل و طفت على السطح ظاهرة بنات الليل و المتعة و أصبحن أداة للترويج لبعض المناطق في سوريا مما جلب السمعة السيئة للقطر السوري بشكل عام فلم يكن هناك من حل سوى زوال و تدمير كل ما كان من تلك المنكرات بحرب ضروس تطحن الجميع سواءً من شارك في ذلك أو من لم يشارك ففي العذاب و العقاب تتساوى أدوار المجرمين مع من رأوا الجريمة و رضوا عنها و سكتوا عنها حتى لو لم يشاركوا بها, ألم تسمعوا بالمثل القائل لديهم (إذا ما خربت ما بتتعمر), ومع ذلك لا يزال البعض يرجع السبب في ذلك إلى السياسة و الاقتصاد غير مدرك أنه يتحدث عن الوسيلة و ليس عن السبب فيما يحدث , فالحقيقة مفادها أن الله تعالى يغار على حرماته و التي انتهكت على مدار خمسين عاماً في أرض الشام عبر حكم طواغيت آل الأسد و آل معلوف و غيرهم , و بعد أن بلغ الفساد و الانحلال و الانحطاط في الدين و الأخلاق ما بلغ و لم تجدي أية وسيلة إصلاح لردع المجرمين الذين لم يغاروا و لم يراعوا حرمات الله تعالى و لم تنفع العبر و المواعظ و النصح مع زمرة الطغاة و من دار في فلكهم , فكانت الحرب عقاباً ربانياً لهؤلاء و لمن سكت عنهم و رضي فعلهم وقنع بالتعايش مع جرائمهم , و كانت الوسيلة التي قامت بها تلك الحرب هي الثورة السورية و ما تبعها من إرهاصات وأحداث و تحالفات سياسية و عسكرية و اقتصادية و إقليمية .

مقالات ذات صلة

ورغم ذلك كله لا يـزال البعض يضع كل ما تقدم ذكره أعلاه في خانة الهرطقات و التعدي على حريات المجتمع و يعتبر ماقيل كلاماً فارغاً أجوف من الحقيقة دون أن يتفكر في سنن الله الثوابت في الكون ,فأرد عليهم و أقول لكم أرجوكم تأملوا الفرق الشاسع بين مجتمع همه الأول إقامة الفرائض و تطبيق الـشريعة و إتباع سنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم في كافة مناحي الحياة و بين مجتمع الهم الأول لمعظم من فيه يتدرج بحسب القدرة المادية ضمن خيارات متعددة تتنوع ما بين السفر لدولة مشبوهة أخلاقياً أو لمكان مشبوهٍ أخلاقياً لقضاء إجازة هناك أو من أجل حضور حفل غنائي أو إلى المشاركة في برنامج اكتشاف مواهب أو إلى الذهاب في رحلات و حفلات مختلطة ماجنة أو إلى تأمين موضوع الكيف عبر حشيشة أو أرجيلة أو سيجارة أو إلى السهر حتى ساعات الفجر في الملاهي و البارات و المقاهي و الفنادق و النوادي الليلية أو إلى اقتناء الأفلام و المقاطع الإباحية و المثيرة أو إلى متابعة برامج الإغواء و إثارة الفتن أو إلى تنزيل تطبيقات تخص بعض المواقع السيئة أخلاقياً و التي تشجع على الفسق و الفجور بصور و أشكال مختلفة كما كان الحال في سوريا قبل الثورة و غيرها و غيرها الكثير الكثير بلا حصر و لا عدد وكل ذلك يرمز له و يشار إليه بالتسلية و الترفيه , بالله عليكم هل من العدالة و المنطق أن يسير هذان المجتمعان في نفس الطريق و أن يصلا إلى نفس النهاية ؟؟ .

مختصر الكلام هنا هو أننا في مكان يعج بالمعارك و الحروب من حولنا فسوريا من جهة و العراق من جهة و فلسطين من جهة و أننا أيضاً في زمان ينضح بالفتن و الابتلاءات فتارة تدنيس الأقصى و تارة الهجوم الإعلامي الحاقد على الإسلام و تارة إهانة و تعذيب المسلمين في بورما و ميانمار و الصين و الهند و تارة الهجوم على بعض مساجد و مقدسات المسلمين هنا و هناك و تارة الصراع المذهبي الطائفي بين أكثر من فئة من المسلمين فكيف أصبحت موضوعات التسلية و الترفيه في خضم هذا الطوفان من البلايا و الرزايا هي أول و أكثر ما يهم البعض منا ؟؟

ختام القول نحن في زمان و وقت و مكان لا يرتضي الأحرار فيه ميلاً عن جادة الصواب و درب الحرية لنصرة المستضعفين و لا يقبل الشرفاء فيه حياداً عن التمسك بالأخلاق و النضال في سبيل الإستقامة و العدل و الكرامة و لا يرتضي المؤمنون الصادقون الموحدون لله سبحانه و تعالى سوى نصراً و تمكيناً و استخلافاً في الأرض بعد ما حاق بأهل السنة و الجماعة من عباد الله في كل مكان ما حاق بهم من ظلم و قهر و اضطهاد – هذا طبعاً إن قاموا بما يجب عليهم و هو أن يتقربوا إلى الله تعالى بالطاعات و يعظموا أمر شريعته و سنة نبيه المصطفى صلى الله عليه و سلم في عباداتهم و معاملاتهم و إتباع نهج الصحابة الأبرار و إعمار الأرض على الوجه الصحيح – ليكون القرب إلى الله و إلى دين الإسلام هو أكثر ما يهمهم و رأس الأولويات لديهم و هذا يعني أن وقت التسلية و الترفيه قد ذهب دون رجعة من قاموس جميع هؤلاء فإن لم تكن أنت في خانة أي من هؤلاء الفئات التي ذكرت فأجب نفسك قبل غيرك عن هذا السؤال “ما الذي فعلته لنصرة هذا الدين؟ وماذا ستقول لله يوم الحساب إن سئلت عن الأمر الذي كان أقرب إلى ما يهمك ؟” هل ستكون سعيداً لو كان جوابك حينئذٍ هو التسلية؟؟!!!

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى