سوريا كما فلسطين
الظلم أينما وجد واحد, والظالم واحد, والضحية واحدة.
في فلسطين الظالم واضح ومحصور بين اثنان, محتل غاشم, وعميل راضخ قابل.
لكن, في سوريا الأمر مختلف, اذ تقف امام خارطة محيرة, تمنعك من التفكير, فأنت مهما ملكت من أدوات الفهم والمعرفة والتحليل لابد أن تقف حائرا أمام الضحية, والظالم في الوقت عينه.
هي ليست مؤامرة, فالمؤامرة لابد أن تنتهي بنتائج ايجابية, لكن في سوريا الجميع يشترك في الخسارة, هي أكبر من مؤامرة, وأكبر من مجرد حرب, وأكبر من لعبة سياسية, هي قتل للإنسان, وابادته.
من هو الظالم, ومن هو الضحية ؟
إن كانت فلسطين قد نكست رؤس الأنظمة العربية, فان سوريا عرت عوراتها جميعا منذ أن تعاونوا على هدمها, لتصفية الحسابات الشخصية فيما بينهم وبين النظام هناك.
هل ثمة نظام هناك ؟
لي صديق سني علماني سوري, متزوج من امرأة علوية شيعية, لديهم زهيرات ينتظرون ثمارها, هم اسرة جميلة تربتها خصبة, عقولها مستنيرة.
ثمة آخر شقيق له, سني وطني متزوج من علوية شيعية, لهم غراس ينظرون حصادها, أسرة جميلة يحيط بها الفرح الدائم والبسمة.
هما لم يخرجا من سوريا وفضلا البقاء فيها.
ثمة ثالث أضحى غريبا في بلاد غريبة, رفض البقاء وفضل الرحيل حفاظا على أمن اطفاله, رفض ظلم النظام وجبروته.
وهناك رابع أختلف معهم, فأخذ سلاحه وتحول إلى مقاتل متشدد.
قبل الأحداث كانوا أسرة واحدة, تجمعهم طاولة واحدة, وأحلام واحدة, توحدهم الضحكة والبسمات, التي تحطم الخلافات, قبل ذلك كانوا يفرحون ان فرح احدهم, ويحزنون لحزن أحدهم حتى وإن كان يبعد عنهم أميال ومسافات.
احببتهم جميعا, لكنني اليوم أخاف أن أتحدث معهم, خوفا عليهم, وعلى حياتهم.
هم الان, متفرقون, مختلفون, خائفون جميعا من الأيام ومن ظلم الإنسان لأخيه الانسان, هل يقتل الأخ أخاه, والجار جاره والصديق صديقه,و الأب ابنه,و الأبن أباه.
سوريا اليوم, صحراء يباب, ترى فيها كل الأكاذيب والأوهام لكن لا ترى فيها الإنسان.
كذب من قال إن الأيام ستعيد اعمارها وتشفي جراحها, هل شفيت جراح فلسطين, وبغداد .
كذب, من قال أن الحرب ستضع أوزارها, كذب من قال أن رحيل الأسد او الحمار سيحل المشكلة.
كذب من قال أن مئات المنظمات التجارية الإرهابية, والجهادية الحقيقية المتصارعة فيما بينها, ستملىء الفراغ وتعيد إلى الجمال لوجهها الحضاري العتيق.
كذب من قال ذلك.
فقط عودوا إلى كتابات المحللين, و أكاذيب الصحفيين, وتقارير وسائل الإعلام, قبل 4 سنوات, قارنوها بما يحصل اليوم, اكتشفوا عمق اللعبة ودمويتها, و متعة تجار الحروب و الأسلحة وتعطشهم للمزيد .
اتريدون الخراب ؟
لكم ذلك, لكن قبل أن تمنح لكم حلب, سنحيلها أرضا محروقة لا تصلح للحياة, انظروا إلى المشهد من جديد, اعيدوا الشريط قليلا إلى الخلف, قصف المدارس والجامعات, والمستشفيات, والاسواق, والحدائق والمساجد, والكنائس, والجسور والشوارع, والشجر , و قتل الإنسان . من ثم يقولون لك أننا نحافظ على الاوطان, و نحمي الانسان, أي وطن ابقيتموه, وأي انسان تركتموه, حتى العصافير هربت من جبروتكم .
اتريدون ذلك
ليكن, لتستمر عدادات الإحصاء, سجل لديك, مليون قتيل, ومثلهم مفقود, 3 مليون نازح, و 4 مليون لاجئ, 200 الف سجين, وملايين من الجوعى والمرضى. الكثير من الأشجار ازهقت ارواحها, والكثير من الازهار سلبت اوراقها.
اقلب العداد, مليون قتيل قادم, ومثلهم مفقود, و3 ملاين نازح و 4 مليون لاجىء و 200 الف سجين, والكثير من الجرحى والمرضى والجوعى الكثير من الأشجار ازهقت ارواحها, والكثير من الازهار سلبت اوراقها.
أثمة ربيع في سوريا اليوم غير ربيع الدم !
أرأيتم المشهد, أرأيتم ظلم الإنسان لأخيه الإنسان, أرأيتم, كيف شرذمت الأسر, أرأيتم ذلك.
قسما بالله الواحد بطل فيه عقل …
#خالدعياصرة
kayasrh@gmail.com