هل سيشارك الأردن بحرب برية ؟ / موسى العدوان

هل سيشارك الأردن بحرب برية ؟

تناقلت وسائل الإعلام في الآونة الأخيرة أخبارا وتساؤلات، حول احتمالية مشاركة الأردن في حرب برية، ضد تنظيم داعش على الأراضي السورية. ومن المعروف أن هذا التنظيم يشكل تهديدا للآمن والسلم الاجتماعي في هذه المنطقة وفي مختلف مناطق العالم منذ أكثر من خمس سنوات، بما يحمله من أفكار ومعتقدات أيديولوجية متطرفة وأعمال إجرامية.

وإزاء هذا الخطر الذي يهدد استقرار العالم، شكلت الدول الكبرى تحالفا ضم أكثر من ثمانين دولة بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، للحرب على الإرهاب ممثلا بتنظيم داعش. ولكن هذا التحاف لم يكن جادا في تلك الحرب، واقتصر عملياته على القصف الجوي المحدود لبعض الأهداف الثانوية، التي لم يكن له تأثير يذكر في تحقيق الهدف المقصود. بل أن بعض المؤشرات دلت على أن دولا معينة، كانت تقدم الدعم اللوجستي والمساندة المستترة لذلك التنظيم، مما جعله يتمدد ويواصل ممارسة أعماله الإجرامية في مناطق مختلفة.

عندما تولى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة قبل بضعة أشهر، أعلن صراحة نيته في الحرب على الإرهاب ووعد بالقضاء تماما على تنظيم داعش. وفي مؤتمره الصحفي المشترك مع جلالة الملك عبد الله الثاني في البيت الأبيض أوائل هذا الشهر، ظهر بأن هناك توافقا بين الزعيمين، في الرؤية للحرب على الإرهاب وأسلوب التعامل معه في المستقبل.

وفي ظهوره على شاشة تلفزيون أل BBC بصورة غير معتادة قبل بضعة أسابيع، أوضح رئيس هيئة الأركان المشتركة في القوات المسلحة الأردنية، بأن لواء خالد بن الوليد المعادي والذي يمتلك دبابات وأسلحة ثقيلة، يتمركز شمال نهر اليرموك قرب الحدود الأردنية، مما يشكل تهديدا محتملا للأردن في أي وقت. وأضاف رئيس الأركان بأن القوات المسلحة تتابع الوضع عن كثب، وقامت بتعزيز قواتها على الحدود وهي جاهزة لصد أي عدوان على الأردن مهما كان مصدره، خاصة وأن قذائفه راحت تتساقط على المدن الحدودية بين حين وآخر.

وعلى صعيد العمليات الجارية في سوريا فقد قامت قوات سوريا الديمقراطية ( ائتلاف فصائل كردية وعربية مدعومة من واشنطن ) بدخول مدينة الطبقة، في إطار حملة عسكرية لتطهير الرقة من الإرهابيين. وإذا ما تقدمت القوات النظامية السورية أيضا نحو الرقة مدعومة بسلاح الجو الروسي، لتحرير الأراضي السورية من قبضة داعش، وضاق الخناق على ذلك التنظيم في جبهتي الرقة والموصل، فإنه سيلجأ للبحث عن مناطق جديدة ينفذ بها عملياته الإجرامية ، وسيكون الأردن أحد أهدافه المتوقعة.

هذه الأمور مجتمعة، إضافة لما تحدث به الرئيس الأسد، بأن قوات أردنية تعمل في جنوب سوريا، أوحت للمراقبين بأن الأردن سيشارك بعمليات عسكرية برية في سوريا، وزج بعضا من تشكيلاته المسلحة في غمارها، بالاشتراك مع قوات أخرى. وفي غياب المعلومات الموثوقة عن النوايا والخطط الأردنية المستقبلية بهذا الخصوص، سيكون الحديث عن حرب برية قادمة ومشاركة القوات المسلحة الأردنية بها رجما بالغيب.
لقد قال المارشال مونتغمري في تسويغ الحرب ما يلي : ” أنه في استعمال قوة السلاح، لابد من توفر عناصر مبدئية في تسويغ الحرب مؤداها : أن يكون لدى الشعب أو الأمة هدف مطلوب سياسيا، وممكن عمليا، وجائز قانونيا، ومبرر أخلاقيا “. فعند تطبيق هذه العناصر على الوضع الراهن نستنتج ما يلي : أن غالبية الشعب أو الأمة متفق سياسيا على الهدف وهو القضاء على الإرهاب ممثلا بتنظيم داعش، نظرا لخطورته على المجتمعات المحلية والأجنبية.

هذا الهدف يمكن تحقيقه عمليا إذا اتفقت عليه دول التحالف بنية صادقة، ابتداء من قطع التسليح والتمويل عنه، من قبل مختلف اللاعبين في المنطقة، ووضع الخطط المحكمة لحصار التنظيم والقضاء عليه أينما وجد. أما من الناحيتين القانونية والأخلاقية، فيمكن تحقيقهما من خلال قرارات الأمم المتحدة وموافقة النظام الشرعي السوري، على تنفيذ تلك العمليات العسكرية على أرضه.

فإن كانت خطط التحالف للقيام بعمليات قتال برية ضد داعش على الأراضي السورية، فإن الأردن لا يستطيع التخلف عن المشاركة بها انسجاما مع القرارات الدولية. وأعتقد أن مشاركته لن تتم بقوات برية ثقيلة، نظرا لحساسية الموقف الداخلي شعبيا وأمنيا، بل اقتصار المشاركة على حماية حدوده، ومنع اختراقها من قبل أية قوة عسكرية أو عمليات تسلل، والمساهمة بعمليات جوية، وبعمليات خاصة محدودة الأهداف، إضافة لتقديم القواعد الجوية البرية، والإسناد اللوجستي للقوات المهاجمة.

ومن جهة أخرى، فإذا قامت قوات خالد بن الوليد المرابطة شمال نهر اليرموك، بالتعرض ومهاجمة القرى والمدن الحدودية الشمالية للأردن، فلابد للقوات الأردنية من القيام بهجوم معاكس وطردها من مواقعها القريبة من الحدود، ومساعدة القوات الدولية في إقامة منطقة آمنة في جنوب سوريا، تتولى حمايتها وإدارتها الأمم المتحدة، لنقل اللاجئين السوريين إليها في وقت لاحق.

إن قرار إشراك القوات البرية الأردنية بعمليات عسكرية برية داخل العمق السوري – إذا حصل – سيكون بعيدا عن الحكمة، لأنه سيغرق الأردن في المستنقع السوري ويتطلب استمرارية الدعم لمواصلة العمليات العسكرية، وهو أمر خارج قدرة البلاد وقواتها المسلحة، وسيكون سببا في إضعافها والحد من قدراتها القتالية، فضلا عن رد الفعل الشعبي تجاه وقوع الضحايا المحتمل.

وجوابا على السؤال المطروح في عنوان هذا المقال أقول من وجهة نظري : أنني لا أتوقع أن يشارك الأردن بحرب برية داخل العمق السوري، إذا ما تقررت تلك الحرب على داعش، بل سيكون دوره المشاركة بمهام محدودة كما أسلفت، إلا إذا واجه اعتداءا خارجيا، فإنه سيتصدى له دفاعا عن الوطن والمواطنين مهما كان الثمن.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى