” سباقٌ مع الزمن “
مهند أبو فلاح
احتفل لبنان في الخامس و العشرين من شهر أيار / مايو الماضي بعيد المقاومة و التحرير الثاني و العشرين في إشارة إلى الانسحاب الصهيوني من منطقة الشريط الحدودي المحتل في جنوبي البلاد في العام الفين للميلاد بعد احتلال دام قرابة اثنين و عشرين عاما منذ شهر آذار / مارس من العام 1978.
الانسحاب الصهيوني جاء على نحو دراماتيكي مفاجيء أدى إلى انهيار متسارع في صفوف ميلشيات جيش لبنان الجنوبي العميلة لحكام تل أبيب بزعامة اللواء الخائن انطوان لحد لكن الأمر الملفت للإنتباه حقا هو أنه بعد أقل من ثلاثة اسابيع من هذا الانسحاب أُعلِن في العاصمة السورية دمشق عن وفاة الرئيس الراحل حافظ اسد الذي أهداه السيد حسن نصر الله زعيم ما يسمى بحزب الله اللبناني الموالي لإيران ما وصفه بانتصار المقاومة اللبنانية هناك باعتباره الداعم و الحاضن الرئيس لها .
أسهم الرئيس السوري الراحل و شعبيته بلغت ذروتها بين أوساط شعبه على خلفية هذا الانسحاب الصهيوني خاصة أنه جاء أيضا بعيد فشل قمة جنيف التي عقدت في سويسرا بينه و بين الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون في منتصف شهر نيسان أبريل من العام نفسه اي 2000 للميلاد .
ارتفاع شعبية الرئيس حافظ الأسد بين أوساط مواطنيه سهّل بشكل واضح عملية نقل السلطة و توريث الحكم في الجمهورية العربية السورية إلى نجله الدكتور بشّار في سابقة غير مشهودة ، حيث أصبحت سورية الجمهورية العربية الوراثية الاولى من نوعها في الوطن العربي الكبير !!!!!
لم يخطر في بال كثير من المراقبين في حينها أن الصهاينة قد خاضوا سباقا محموما مع الزمن لضمان انسحابهم من جنوب لبنان قبل وفاة الرئيس السوري الراحل بفترة وجيزة جدا فالرئيس حافظ الأسد كان يعاني من سرطان الدم اللوكيميا و لم يكن امر وفاته أكثر من مسألة وقت ليس إلا و هذا ما كشفت عنه تقارير الاستخبارات التي تمكن جهاز الموساد الصهيوني من الحصول عليها عبر عينة بول أخذت من الرئيس الاسد على هامش مشاركته في جنازة جلالة المغفور له الملك حسين في شهر شباط / فبراير من العام ١٩٩٩ بحسب ما نقله الكاتب العربي المصري المرموق محمد حسنين هيكل في كتابه ” كلام في السياسة ” عن تقرير صحفي لجريدة الصنداي تايمز البريطانية في عددها الصادر بتاريخ 9 كانون ثاني / يناير من العام 2000 للميلاد .
بعد انقضاء أكثر من عقدين من الزمان على ذلك الانسحاب الصهيوني المفاجيء من جنوب لبنان ما زالت التساؤلات قائمة عن مغزى هذا التزامن بين الانسحاب الصهيوني الأحادي الجانب من جنوب لبنان و وفاة الرئيس الأسد بعد ذلك التاريخ بأسابيع معدودة قليلة لكننا قد نجد إجابة على هذه التساؤلات في كتاب ” لعنة وطن” لزعيم حزب الكتائب اللبنانية الاسبق كريم بقرادوني الذي يرى أن أزمة لبنان فصلت على مقاس الرئيس حافظ ، و هو الأمر الذي يتفق مع أقوال خصوم الرئيس الأسد الذين يرون أن الحرب الأهلية في لبنان و ما تبعها من تدخل عسكري سوري في العام 1976 قد تم توظيفه للتغطية على استمرار احتلال الكيان الصهيوني لهضبة الجولان القلب الجغرافي النابض لبلاد الشام و التي سقطت بيد حكام تل أبيب في حرب حزيران / يونيو من العام 1967 حينما كان يشغل الرئيس الأسد منصب وزير الدفاع و القائد العام للقوات المسلحة السورية و هو احتلال ما زال قائما حتى وقتنا الحاضر !!!!!