توقيت أيلول / أروى الزعبي

توقيت أيلول
أروى الزعبي

كنتُ دائماً أعرف ميعاد أيلول دون ان أنظر الى الروزنامة، أعرفه متى يحين ومتى سيغيب، ايلول المشاكس وايلول البدايات والنهايات على حدٍ سواء.
عندما تختفي جلسات الحجّات أمام البيوت، وتغيب سهرات المساء، ويُنسى فنجان القهوة على “بلكونة” الجيران، أعرف أن أيلول عاد، عندما تتثاقل السيارات عن الخروج بعد التاسعة مساءً وتنتهي ضحكات الأطفال من الشوارع والأزقة فلا أعود أسمعها بعد السابعة مساءً أدرك أننا في أيلول، عندما أرى المريول تحركه الريح وحقيبة المدرسة وقد استعدت لمشوارٍ طويل والقرطاسية وقد تناثرت هنا وهناك والألوان قد عادت إلى علبتها واسمع صوت أمٌ تترجى طفلها أن ينام أدرك أننا في أيلول.
ففي أيلول لا شيء يعلو على صوت السكون ولا شيء يشهد على الغياب سوى دمعات الأمهات على من أخذوا جواز العمر وغادروا لغربة الجسد وتركوا ضحكاتهم معلقةً على كتف الوطن، في أيلول تشهد الياسمينة على العمر المشبع بالحنين وتشهد الأبواب والنوافذ المقفلة على “غياب” أصحاب الدار وتغفو الألعاب بعد أن سهرت الصيف كله، في أيلول تسافر أوراق الشجر في رحلةٍ أخيرة، تفترش الأرض كما المسافرين وتنتظر النداء الأخير للرحلة الأخيرة على أجنحة الريح لتسافر معها إلى وجهةٍ غير معلومة، فالوقت في أيلول مشغولٌ بالانتظار والعمر مشغولٌ بالغياب.
في أيلول أدرك أنني أقف على باب تلك الغيمة الحزينة في أغنية فيروز، وأتذكر كل الأشياء المهملة والغافية في ركنٍ من القلب، كلما جاء أيلول أجدني أكتب عن أيلول، أكتب عنه وله، أجدني أكتب عن أيلول الذي يسرق السطوة من كل شهور السنة، وعن الحزن الرزين الذي يضبط ميعاد قدومه على توقيت أيلول.
كل ما جاء أيلول “ذكرني فيك”، كل ما جاء أيلول ابكاني ليله و “فيقني عليك”، كل ما جاء أيلول أدركتُ كم أنت بعيد.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى