تحديث متطلبات الجامعات / د . أيّوب أبو ديّة

تحديث متطلبات الجامعات

في ضوء توجه الجامعات لإدخال متطلبات إجبارية لمواد لها علاقة بثقافة الحوار والتعددية والثقافة البيئية والفلسفة، يستدعي الأمر الوقوف عند التحقق من مدى جدية هذا الطرح والوسائل المستخدمة في تحقيق الأغراض المنشودة منها. فكما هو معلوم فإن المنهاج الأردني على مستوى التوجيهي شبه خاو من مواد مماثلة على عكس منهاج البكالوريا الدولية، على سبيل المثال، حيث توضع مادة نظرية المعرفة TOK في قلب متطلبات المواد كلها، العلمية منها والأدبية والفنية وغيرها. وقد تطورت هذه المادة على الأقل خمس مرات في مناهجها منذ تأسيس برنامج البكالوريا على مستوى العالم قبل نحو نصف قرن من الزمان، فالأولى اتخاذ العبرة منها والبناء عليها.

اليوم هناك 150 ألف طالب في العالم يتقدمون سنوياً لهذا الامتحان ويتزايدون بمعدل يصل إلى 30% سنوياً في منهاج اللغة الألمانية، مثلاً فاللغات السائدة لنظام البكالوريا هي الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والصينية والألمانية. والطالب الذي لا ينجح في مادة نظرية المعرفة يفشل في الحصول على مستوى الدبلوم العالي حتى لو امتاز في باقي المواد كلها. فلماذا لا نستفيد من خبرات هذا البرنامج على سبيل المثال أو أي برنامج أخر مناسب بحيث لا نعيد اختراع العجلة من جديد. أخالني أرى جلسات لخبراء في وزارة التربية والتعليم يقترحون آراء تقليدية ويقاومون أي تعديل مبدع في هذا المجال ويرفضون الاقتباس من خبرات الآخرين بحجة “خصوصيتنا” كأننا من كوكب آخر. لذلك ينبغي التساؤل: ما هي مواد هذا المساق؟ ومن يضعه؟ ومن الذي يقوم بتدريسه؟

للإجابة عن التساؤل الأول من منهاج البكالوريا الدولية نقول إن المهمة الرئيسة لمادة نظرية المعرفة هي التعريف بوسائل المعرفة وطرائقها: وهي الآتي: الحواس والعقل، العاطفة، اللغة، المشاعر، الغريزة، الحدس والمخيال. وتقوم منهجية تدريسها بشرح كيفية العلاقة التي تقوم بين هذه الطرائق من حيث التكامل بينها أو التضارب أو التضايف وأين يخطئ كلٌّ منها وأين يصيب، وكيف؟ وما هو مجال عمله ودائرة نفوذه وحدود قدراته التي ينبغي ألا يتجاوزها. كذلك تقوم منهجية تدريسها على بيان أهمية كل من طرائق المعرفة المختلفة في موضوعات المعرفة ومباحثها المتنوعة، وهي: العلوم الطبيعية، العلوم الإنسانية، الأخلاق، الفنون، الرياضيات، الديانات وثقافات الشعوب المختلفة. وبذلك تكون هذه المادة مدخلاً للتفكير النقدي في كافة حقول المعرفة وليست حكراً على الفلسفة أو الأخلاق، لأن المنهج العلمي لا ينحصر تطبيقه على العلوم الطبيعية أو العلوم الإنسانية فحسب بل تمتد ضرورته لتشمل مباحث المعرفة كافة، بما في ذلك الدين والأخلاق.

مقالات ذات صلة

أما الجهة التي ينبغي أن تضع هذا المنهاج فيفضل أن تكون محايدة وذات خبرة، ولا مانع من الإشراف عليها من التربية والتعليم. أما الكوادر التي يفضل أن تقوم بتدريسها فينبغي أن تخضع للتدريب من قبل الجهة المؤلفة وليس الجهة المشرفة، ويمكن أن تتنوع خبراتها وشهادتها الأولى، ولكن خضوعها لتدريب مكثف محايد هو الأهم. وإعادة التأهيل تتم سنوياً بدورات مكثفة كما يفعل برنامج البكالوريا الدولية.

خلاصة القول إن المسألة ليست بالبساطة التي طرحتها الجامعات، فأسلوب التلقين يجب أن يتغير وإعادة تأهيل المدرسين مسألة أعظم أهمية مما يظن، والمشروع ليس حلاً مؤقتاً بل ينبغي أن ينظر إليه كخطة عمل لعقود قادمة تبدأ من المدارس.

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى