من ليالي مؤسسة شومان / سالم الفلاحات

من ليالي مؤسسة شومان
استمعت على مدى ساعة ونصف كان معظمها في الحوار وثلثها فقط محاضرة قدمها الكاتب السياسي (الخلافي) حمادة فراعنة في حديث متواصل لم تنقصه الصراحة والترتيب والتسلسل والتماسك حول الربيع العربي بعد خمس سنوات على انطلاقه من تونس أولاً.
القضايا التي يختلف فيها الناس كثيرة، ” وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ “، لكن والمتفق عليه كثيرٌ أيضاً في العمل اليومي.
لفتني في تلك الأمسية دبلوماسية المحاضر ومحاولته الدؤوبة عدم جرح المشاعر، ولكن هذا لم يمنعه من ذكر الوقائع وقراءة المشهد بدقة وبصراحة.
لفتني اعترافه بخلو الساحة العربية من احزاب قادرة على التأثير في المشهد السياسي في سنوات الربيع العربي تفضي إلى تغيير حقيقي لتحقيق الاستقلال السياسي والاقتصادي والعدالة والديمقراطية التي يسعى إليها المواطن العربي.
وقد صنف الدول العربية إلى ثلاث مجموعات:
1. الدول المحتاجة اقتصادياً والمستغنية أمنياً.
2. الدول المكتفية اقتصادياً والمحتاجة لمساعدات أمنية.
3. الدول المكتفية اقتصادياً وأمنياً.
وقال حتى هذه الأخيرة ويعني بها: العراق، وسوريا، والجزائر، وليبيا، والسودان المكتفية، وبالرغم من تقديم أوراق اعتمادها للغرب وأمريكا أيضاً إلا أن هذا لم يُغْن عنها شيئاً.
وأكد على أن اليد التي تمتد لطلب المساعدة أو قبولها لا بد أن تدفع الثمن مضاعفاً لا يقتصر على سداد الديون إنَّما جزء من السداد كان على حساب استقلال الإرادة والقرار والإصغاء لاملاءات الدول المانحة.
ولفتني تشخيصه لسبب الربيع العربي – والذي لم يتردد بتسميته بالربيع (مخالفاً النظرة الانهزامية)، وهو العامل الموضوعي المستمر المتمثل بغياب الاستقلال السياسي والاقتصادي والعدالة والديمقراطية، وأكد على استمرار هذا العامل، حتى مع الوقوف المؤقت لقطار الربيع العربي في دمشق.
وأكد على أن إعادة انطلاقه هي مسألة وقت فقط، حتى يستكمل العامل الذاتي، ويستفيد من تجربته السابقة ولن يعود إلى الوراء.
ولم تمنع المحاضر حساسية المقام من التأكيد على أن الأردن الرسمي استجاب طواعية وبوقت مبكر لتطلعات الشعب في موجة الربيع العربي، فقد شكل جلالة الملك ثلاث لجان محورية للحوار الوطني وتعديل الدستور وللاقتصاد، وقال في حينه: أن قانون الأنتخاب ليس عصرياً، لكنّ توقُّف قطار الربيع العربي انعكس سلباً على الانجازات والتطلعات الأردنية، بينما مضت في المغرب.
ومما لفتني حجم مداخلات الحضور المثقف وإيجابيتها في غالبيتها العظمى في تقدير جهود الشعوب، والأمل باستئنافها، ومعارضة نظرية المؤامرة في انطلاق الربيع العربي.
وكانت أوضح ما تكون عند بعض المتداخلين وفي مقدمتهم معالي د. محمد داودية الذي قال: إن الربيع العربي في السنوات الماضية كان موجة ستتبعها موجات، وقال: مؤسف أن يسمى الربيع العربي مؤامرة خارجية.
وكذلك نيافة المطران اللحّام الذي قال: الربيع العربي حالة ذاتية صادقة معبرة عن وجدان عربي، وتساءل لماذا الانهزامية وتحميل السلبيات لنا، والايجابيات للخارج، نحن قادرون ولسنا عاجزين، لقد انفجر الشارع العربي حقيقة.
وأكدت السيدة د. نجوى بولص قائلة: أعلم أن الإسلام الحنيف أنصف المرأة أكثر من إنصافها من أي جهة أخرى، وعلى علماء المسلمين الرد على الذين يشوهون صورة الإسلام بأفعالهم ومنها قتل الأبرياء باسم الإسلام وتسمية ذلك جهاداً.
وكالعادة لم تخل المداخلات وإن كانت قليلة جداً من اتهام حركة الشعوب وهجاء الربيع العربي واعتباره مؤامرة خارجية وضد مصالح الشعوب.
إنَّ ضالة الشعوب العربية الباحثة عن مخرج من أزماتها في الاستقلال والاقتصاد والعدالة والحرية والديمقراطية والتي تسعى لها منذ عقود طويلة تجدها عند الذين يفكرون بعقل جماعي واستيعابي بعيد عن التعصب والإنكار.
وعند الذين يعيشون لشعوبهم وأمتهم وقضاياها الكبرى والاستراتيجية .
وعند الذين لا يتحرجون من نقد الآخر لهم وتوظيفه بتعديل مساراتهم والإفادة من أخطائهم بدلاً من إنكارها والدفاع عنها.
نعم لم تخل المحاضرة حسب وجهة نظري من تحامل على الإسلاميين ووضعهم جميعاً في خانة واحدة من ولاية الفقيه، ومن الفكر المتطرف المرفوض شرعاً وعقلاً، وحتى جماعة الإخوان المسلمين، والاستمرار في وهم تعميم تفاهم الإسلاميين جميعاً مع الامريكان – ولم يفرق بين إيران ومواقفها السياسية السلبية اتجاه المنطقة العربية، وبين الإسلاميين المنحازين لقضايا شعوبهم وأمتهم.
ما أحوج المثقفين العرب لمزيد من الحوار الجاد البناء لأنه لا سبيل للنهوض دون التفاهم، وهو الممر الإجباري الأنجح.
سالم الفلاحات

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى