#رحلة_العودة إلى #السادس_من_أكتوبر _ د. #منذر_الحوارات
الصفعة التي وجهتها #حماس و #المقاومة_الفلسطينية في السابع من أكتوبر شكلت ثقباً أسود هائل في وجدان الإسرائيليين لدرجة انها زعزعت كل الأسس الاستراتيجية التي بنت عليها تفوقها وهذا هو السبب الأهم في نوعية الرد الإسرائيلي والتي إتسمت بالتشنج والإحساس بالمهانة والشعور بالخطر الوجودي، لذلك تميز الرد بالقسوة والرغبة الجارفة في تدمير أي شيء وشمل ذلك الفلسطينيين العزل والذين إنصب غضب وحقد دولة الاحتلال عليهم بشكل لم يسبق له مثيل عبر التاريخ، فإذا ما قورن حجم التدمير وعدد الضحايا بأي حرب أخرى لكانت المقارنة النسبية تنصب بإتجاه أن ما يحدث في غزة يصل لمستوى الإبادة الجماعية بكل ما تعنيه الكلمة، رافق ذلك دعم و تواطؤ من العالم الغربي وبالذات امريكيا وذلك عندما سمحوا لإسرائيل بنزع صفة الإنسانية عن الفلسطينيين، وكانوا قبل ذلك أنكروا على الفلسطينيين حق مقاومة إحتلال يجثم على صدورهم منذ عقود بينما دافعت عن إسرائيل باعتبارها مُعتدى عليها في يوم السابع من أكتوبر، هذا الدعم الغربي مكن اسرائيل من تدمير كل شيء في غزة دون ادنى رحمة.
أما المقاومة فلا زالت رغم كل الضربات الإسرائيلية الموجعة والتي بلا شك أوقعت فيها الكثير وأضعفت من قدراتها العسكرية لكنها لا تزال حتى الآن قادرة على الإيقاع بقوات الاحتلال وترك جروح غائرة فيها، وهي لا تزال تمتلك الورقة الأهم وهم المحتجزين الإسرائيليين لديها، وهؤلاء بالنسبة لها ورقة الجوكر التي لا تريد الاستغناء عنها بدون تحقيق مكاسب حقيقية تتعلق بالقضايا الرئيسية والتي تشكل نقاط الخلاف وأهمها بالنسبة للفلسطينيين إنهاء الحرب وانسحاب جيش الاحتلال من كامل القطاع بما في ذلك محوري صلاح الدين ونتساريم، وكذلك السماح للغزيين النازحين بالعودة إلى بيوتهم في الشمال بدون اي تعقيدات أمنية إسرائيلية والسماح بإدخال المساعدات بشكل كامل بالإضافة إلى قضيتي الأسرى وإعادة إعمار غزة، هذا فيما يتعلق بالجانب الفلسطيني، أما بالنسبة لدولة الاحتلال فإنها تريد إطلاق مواطنيها المحتجزين ورغم ذلك ترفض انهاء الحرب او التنازل عن وجودها في محوري نتساريم وصلاح الدين وتصرّ على تفتيش النازحين بشكل فردي، وترفض الإقرار بوجود حماس سواء العسكري او السياسي في اليوم التالي لانتهاء الحرب، كما تصر على امتلاك حق الفيتو على بعض أسماء الأسرى الفلسطينيين المحتجزين في سجونها، وعلى هذه المطالب تصطدم الرؤى وتتعقد المفاوضات.
إذاً نحن في مواجهة سلة كبيرة من التعقيدات التفاوضية تقف مثل الجدار الصلب أمام وقف الحرب، ومثلها نحن في مواجهة رجلين يعرف كلُ منهما الآخر بشكل كبير وكل منهما يتمتع بمزايا وتعقيدات شخصية تجعله يرى الأمور من زوايا لا تعطي الوسطاء فرصة حقيقية للوصول إلى تفاهمات رغم أن على كل منهما عناصر ضاغطة كبيرة تجعله يذهب ربماً مضطراً لتسوية فبالنسبة لنتنياهو فهناك معارضة ضاغطة من قوى المجتمع الإسرائيلي السياسية والمجتمعية والتي تدفع به في اتجاه توقيع صفقة، وأضيف إليهم لاحقاً الجيش والقوى الأمنية ومثل ذلك الوضع العسكري الضاغط في شمال فلسطين، ومن جهة أخرى لديه أركان حكومته من اليمين المتطرف والذين يهددون بنسف الائتلاف الحكومي إن هو ذهب بإتجاه صفقة مع حماس، أما من جهة المقاومة وحماس فالوضع الإنساني المأساوي في غزة بات عنصر ضاغط على قيادتها بالإضافة إلى الضغط من وسطاء السلام، لكن كل هذه الضغوط لم تؤدي إلى تنازل أي من الرجلين، برغم أن بعض الأمل الواهي قد لاح بعد الإعلان الرئاسي الثلاثي الأمريكي والمصري والقطري وما تبعه من لقاءات في قطر، إلا أنها انطفاءات واصطدمت بمقدرة نتنياهو الهائلة على وضع العراقيل.
وبسبب كل ذلك لا تزال غزة تئن وتنزف وعنوان لحظتها لم يتجاوز آلدم والقبور والجوع والمرض وآخرها شلل الأطفال، ولا يزال شعبها يحلم بلحظة تخلو من الزنانات والقنابل التي تعقبها ولا يزال يحلم بلحظة تخلو من كل ما شاهده وعاناه خلال العشر شهور الماضية، وما يزال يؤنّب العالم على قسوته بأنه أنكر عليه مقاومة احتلال جثثهم على صدره وشرده لعقود وعقابه أشد عقاب وصمت عن قاتله المدجج مثل صمت الميتين في القبور، ومع ذلك لابد أن الوقت قد حان لإلتقاط الأنفاس عميقاً والتفكير بطريقة ما للخلاص من هذه اللحظة الموجعة، والإعداد لجولة جديدة من النضال لكن ربما بطريقة أخرى هذه المرة، رغم أن اسرائيل وحلفائها يرفضون حتى الآن العودة حيث ابتدأنا في السادس من أكتوبر ويجعلون الطريق اليه شاقاً ومليئاً بالموت والمعاناة بسبب خبثهم وحقدهم الذي يأبى أن ينضب .
الغد