راس العبد
ترتبط طفولتنا بالكثير من الأشياء التي من الصعب أن ننسلخ عنها بسهولة، قد تكون ألعاب ومواقف وأماكن وحتى أكلات! فلكل شعبٍ أمورٌ وطقوس تخصه لوحده، من ترعرع في الأردن العزيز سيدرك تماماً أن إحدى الذكريات اللذيذة التي صنعت طفولتنا البريئة في أشهى تفاصيلها هي (راس العبد)،
هذه الحلويات التي قد لا تجدها في مكان آخر سوى الأردن عبارة عن قطعة دائرية من البسكويت تعلوها كرة محشوة بالكريما الرائعة مغلفة بشوكالاتة سوداء شهية الطعم، قضمة واحدة لهذه الكرة اللذيذة تمنحك شعوراً لا يُقاوم، تشعر للحظات بأنك تمتلك العالم بأكمله، لتأتي بعدها مرحلة نهش أطراف قطعة البسكويت والاستمتاع بقوامها الخرافي، من هنا جاءت تسمية هذه الحلويات براس العبد، فالفكرة قائمة على الانقضاض على الرأس الكروي الشوكالاتي ومن ثَمّة تقطيع العنق البسكويتي وتفتيته، يبدو لوهلة هذا المشهد فيه الكثير من الوحشية وربما دون أن ندري منحنا تناول راس العبد على مدار سنوات طويلة ملامح جدية قوية قاسية قد تجعل البعض يظنون بنا ظن السوء ويعتقدون أننا إرهابيون، مع أننا واللهِ طيبون مسالمون..!!
لا بد لنا من استجواب عائلة النجار الشاب عن طفولة ولدهم وما هي أبرز محطات عمره؟؟
ونستفسر منهم هل أسرف في تناول راس العبد في صغره؟ هل بالغ في قضم كريات الشوكولاتة وتحطيم أعناق البسكويت؟؟! لأنه بمجرد حمله لصندوق المسامير شك في أمره الضابط الإسرائيلي وركبه عفريت، فباغته بطلقاتٍ لا ترحم مدعيّاً أنّ نظرات عينية وملامح وجهه لم تكن مُريحة!
هذا اليهودي لا يدرك سحر راس العبد في التأثير على وجوه شبابنا لتظهر أكثر رجولة كأنهم أسودٌ بعيون نظراتها ثاقبة صادقة وصريحة، لم يأكل هو وجيشه حلويات طفولتنا التي صنعت منا شعباً أبيّاً لا يُهزم،
لو سمع عن راس العبد لاستقطب مخترعيه وتبنى مكتشفيه عنوّة، ليصنعوا لجيشهم الجبان الكثير منه علَّ جنودهم يتخلصون من ملامحهم الجبانة البلهاء ويصبحون أكثر قوة! أخاف بعد مقالتي هذه أن يقوم أحدهم بإصدار أمرٍ فوري بسحب كل حبات راس العبد من الأسواق لتأثيرها العجيب في بلورة الشخصية الأردنية وجعلها أكثر صرامة وجديّة، لنكون بذلك قد قضينا على أهم مصدر لقوتنا وحضورنا الاستثنائي وطلتنا البهية..!!