تكليف مهاتير محمد بتشكيل الحكومة في ماليزيا

سواليف – رصد

أعلن القصر الملكي في ​ماليزيا​ عن تكليف ​مهاتير محمد​ بتشكيل حكومة جديدة. وكان قد أعلن السياسي الماليزي مهاتير محمد، أنّ تحالف المعارضة الّذي يقوده في الإنتخابات الّتي أجريت اليوم الأربعاء في ماليزيا، فاز بعدد من المقاعد في البرلمان يكفل له تشكيل الحكومة القادمة”.

ويحتاج أي حزب أو تحالف إلى تحقيق أغلبية بسيطة من 112 مقعداً من أصل مقاعد البرلمان البالغ عددها 222، لتشكيل الحكومة، وهو رقم يعتقد مهاتير وتحالف الأمل بقيادته أنّه فاز به.
ومنذ الوهلة الأولى لإعلان هذه الانتخابات نظر إليها الخبراء على أنها الأشرس والأكثر حدة في تاريخ البلاد لتقارب شعبية الكتلتين المتنافستين، الجبهة الوطنية الحاكم بزعامة رئيس الوزراء نجيب عبد الرزاق وتحالف الأمل المعارض بزعامة مهاتير محمد.

تجاوز عدد من يحق لهم الاقتراع 15 مليون ناخب ماليزي لاختيار 222 ممثلاً في البرلمان المركزي و587 عضوًا في المجالس التشريعية في 13 ولاية والمناطق الفدرالية، في انتخابات اتسمت بالتنافسية الشديدة رغم ما وجه لها من اتهامات من بعض القوى.

عدد من المؤسسات الداعية إلى إصلاح النظام الانتخابي مثل “برسيه” اتهمت لجنة الانتخابات بعدم الشفافية، وشككت في مصداقية النتيجة التي قد تفضي إليها الانتخابات، مستعرضة 10 انتقادات كاملة أبرزها: إعادة رسم خريطة الدوائر الانتخابية بما يصب في مصلحة التحالف الحاكم والإخفاق في تحديث اللوائح الانتخابية ووضع الانتخابات في وسط الأسبوع بما يحول دون وصول الناخبين إلى دوائرهم واقتصار مدة الدعاية الانتخابية على 11 يومًا والتلاعب بأصوات الانتخاب المبكر وعبر البريد وعدم معاقبة المتجاوزين في العملية الانتخابية.

يشكل كل من التحالف الحاكم (الجبهة الوطنية) وتحالف المعارضة (جبهة الأمل) الغالبية العظمى من خريطة التحالفات السياسية في الانتخابات الأخيرة، بجانب بعض القوى والأحزاب الأقلية الأخرى.

يضم تحالف (الجبهة الوطنية) قرابة 14 حزبًا سياسيًا، أبرزها “أمنو” والجمعية الصينية الماليزية وحزب المؤتمر الهندي الماليزي، وتوافقت هذه الثلاثة على ما يعرف بعقد اجتماعي لحكم الاتحاد الملاوي قبل الاستقلال عام 1957، واستمر في الحكم قرابة 6 عقود كاملة، ما دفع البعض إلى اتهام ماليزيا بأنها دولة الحزب الواحد بعد أن قضت الجبهة أطول مدة حكم لتحالف حزبي على مستوى العالم.

أما تحالف المعارضة المنضوى تحت مسمى “جبهة الأمل” فيضم 4 أحزاب هي عدالة الشعب بزعامة أنور إبراهيم والعمل الديمقراطي – الذي يهيمن عليه الصينيون – في المعارضة والأمانة الوطنية الذي انشق عن الحزب الإسلامي ووحدة أبناء الأرض الذي شكله مهاتير بعد انشقاقه عن حزب أمنو الذي يقود تحالف الحكم.

مهاتير رئيسًا للوزراء بعد غياب 15 عامًا

لم يكن يدور بمخيلة أحد أن يتصدر رئيس الوزراء السابق جبهة المعارضة بهذه السرعة، وهو الذي كان قبل عامين أحد رموز الحزب الحاكم قبل أن يستقيل منه عام 2016، إذ نجح في كسب ثقة أنصار المعارضة وأقنعهم بالتراجع عن أخطائه السابقة على رأسها القبضة الأمنية طيلة الـ22 عاما الذي حكم فيها البلاد.

البداية كانت اعتذارًا قدمه مهاتير محمد بمظلومية أنور إبراهيم زعيم حزب (عدالة الشعب) الذي يقضي حكمًا بالسجن لمدة 5 سنوات، مع وعد بالتنازل عن السلطة لحسابه بعد سنتين من الفوز وتشكيل الحكومة، وهو المدخل الذي لاقى قبولًا لدى بقية الأحزاب المناوئة للحزب الحاكم.

بعض الخبراء رأوا أن مهاتير نجح في اختطاف حزب “عدالة الشعب” وذلك بتوحيد المعارضة تحت شعاره، ليصبح في وقت قصير زعيمًا لهذا التحالف دون أن يتكلف شيئًا، بل إن الرجل نفسه ليس لديه حزبًا سياسيًا يمثله بعد رفض هيئة تسجيل الأحزاب الاعتراف مؤقتًا بحزبه “برساتو بومي بوترا”، إضافة إلى قدرته على كسب ولاء المعارضة الصينية مقابل دخولها مناطق الملايويين تحت مظلة حزب العدالة.

وبعد 15 عامًا من مغادرته منصب رئيس الوزراء، بات الرجل قاب قوسين أو أدنى من استعادته لكرسيه المفضل، إذ كان من المفترض أن يؤدي اليوم الخميس اليمين الدستوري كسابع رئيس وزراء لماليزيا منذ استقلالها عام 1957، لكن أنباء تتردد أنه سيتم تأجيل مراسم اليمين دون تحديد موعد، وربما يعود ذلك إلى عدم تكليفه رسميًا من قبل الملك بتشكيل الحكومة.

مهاتير محمد: “لا نسعى للانتقام ولكننا سنطبق القانون بالكامل وإذا كان القانون يقول إن نجيب ارتكب خطأ فإنه سيتحمل العواقب”

يعد مهاتير محمد علامة بارزة في تاريخ ماليزيا الحديث، إذ قاد الجبهة الوطنية والحكومة الماليزية بين عامي 1981 و2003، وهي الفترة التي شهدت فيه البلاد طفرة اقتصادية غير مسبوقة وضعتها على خريطة العالم بصورة أثارت حينها الكثير من التساؤلات والجدل في آن واحد.

استقال من حزب أمنو الحاكم عام 2016 لما اعتبره “من المخجل أن يرتبط بحزب يدعم مظاهر الفساد في البلاد”، خاصة بعد اتهام رئيس الوزراء نجيب باختلاس مليار دولار من صندوق التنمية الوطني، فضلًا عن اتهامات وزارة العدل الأميركية بارتباطه بسرقات تبلغ 4.5 مليار دولار، بخلاف سياساته التي أدت إلى تضييق الخناق على الشعب الماليزي بعد ارتفاع تكاليف المعيشة إثر إلغاء دعم المحروقات وفرض ضريبة على السلع والخدمات بنسبة 6%.

في حوار له قبيل الانتخابات مع مجلة “التايم” الأمريكية، تطرق مهاتير إلى دوافع تقاعده عن العمل السياسي في 2003، موضحًا أنه رأى حينها أن الوقت حان لضخ دماء جديدة في الشرايين الماليزية، فاختار عبد الله بدوي لخلافته لكنه حاد عن الطريق، “حينها تركت الحزب الحاكم وقمت بحملة ضده حتى تم إسقاطه، وخلفه نجيب عبد الرزاق الذي ظننت أنه سيكون كوالده عبد الرزاق الذي كان زعيمًا متفردًا، لكنه للأسف كان مختلفًا تمامًا عنه، وظن أنه يستطيع فعل أي شيء بالمال، ولأنه لم يكن يملك هذا المال فقد سرقه، وحاولت نصيحته وتوجيهه مرارًا لكن دون جدوى، فلم يكن أمامي من خيار سوى التصدي له”.

إقبال كبير على المشاركة في الانتخابات على عكس التوقعات

مهاتير نجح في اختطاف حزب “عدالة الشعب” وذلك بتوحيد المعارضة تحت شعاره، ليصبح في وقت قصير زعيمًا لهذا التحالف دون أن يتكلف شيئًا، بل إن الرجل نفسه ليس لديه حزبًا سياسيًا يمثله

ماذا بعد؟

تساؤلات عدة فرضت نفسها بعد إعلان فوز مهاتير محمد في الانتخابات الأخيرة واقترابه من تشكيل الحكومة، حيث دفعت العلاقة المتوترة بينه وبين نجيب إلى فتح باب التكهنات بشأن موقفه من قضايا الفساد المتورط فيها رئيس الحكومة الحاليّ، فالبعض يذهب إلى العفو عنه فيما ذهب آخرون إلى ترجيح سيناريو الملاحقة القضائية.

رئيس الحكومة المرتقب في مؤتمر صحفي له عقب فوزه سعى إلى غلق باب التكهنات بصورة كاملة، حيث قال “لا نسعى للانتقام ولكننا سنطبق القانون بالكامل وإذا كان القانون يقول إن نجيب ارتكب خطأ فإنه سيتحمل العواقب”، ما اعتبره البعض رسالة متزنة تخفف من وطأة التصعيد بين الكتلتين مستقبلًا.

آخرون أبدوا تخوفهم من اختلال المعادلة السياسية في ماليزيا، خاصة أن العقد الاجتماعي للدولة يمنح المالاويين حقوقًا سياسية واقتصادية أوسع من العرقيتين الصينية والهندي، لكن بعد الحضور القوي لحزب العمل الديمقراطي (42 مقعدًا) في تحالف الأمل – يعد الحاضنة الأساسية للعرقية الصينية – الذي بقي منذ الاستقلال في صفوف المعارضة، تساؤل آخر بات يفرض نفسه: ما مستقبل المالاويين بعد هذا التغير الطارئ؟

محللون يرون أن إيمان مهاتير محمد وأنور إبراهيم وهما على رأس تحالف المعارضة الذي سيشكل الحكومة الجديدة ربما يكون ضامنًا لحق المالاويين وحفظ حقوقهم الدستورية خاصة أن كليهما من أشد المؤمنين بالعقد الاجتماعي وقتما كانا أعضاء في الجبهة الوطنية قبل تقديم استقالتهما، غير أن هناك معضلة أخرى ربما تواجه الحكومة الجديدة تتمثل في صعوبة تجاهل حزب العمل الديمقراطي ذات العرقية الصينية، ما دفع رئيس الوزراء المرتقب تنصيبه خلال ساعات للدعوة إلى مراجعة جميع سياسات الحكومة السابقة بما فيها العلاقات مع الصين من أجل تدشين مرحلة جديدة من التوازن السياسي الذي يحفظ لماليزيا استقرارها الداخلي.

وكالات

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى