د.فائق العكايلة .. مشروع قرار إلغاء الإجازة بدون راتب عليه كل شيء وليس له شي!

#سواليف

مشروع #قرار #إلغاء #الإجازة_بدون_راتب عليه كل شيء وليس له شي!

كتب .. د. #فائق_العكايلة

بصفتي أستاذ مشارك في الإقتصاد ومدقق مالي وإداري في ديوان المحاسبة الأردني لمدة تزيد على ستة عشر عاماً ومستشار إقتصادي وتطوير أعمال لعدة جهات دولية، وعلاوة على كل ذلك كأحد المعنيين بقرار إلغاء الإجازة بدون راتب، وخصوصاً لمن يعمل خارج الأردن من موظفي القطاع العام، فمن الواجب الوطني والمهني أن ننصح بشدة بالغة صاحب القرار بالتراجع الكامل عن هذا القرار، وذلك للأسباب التالية:

أولاً: هناك ما يزيد على ثمانين ألف  (٨٠,٠٠٠) موظف حكومي أردني يعملون خارج الأردن وخصوصاً في دول الخليج العربي. وإذا ما أخذنا متوسط أفراد العائلات التي يعيلها هؤلاء الموظفين، نصل إلى قرابة نصف مليون مواطن أردني سيتضررون بشكل مباشر تلقاء هذا القرار، كيف لا وهؤلاء الموظفون المجازون غادروا الوطن الحبيب بحثاً عن مصادر دخلية للخروج من الأزمات والضوائق المالية والديون التي كانوا يعانون منها؟! إن عمل هؤلاء الموظفين المجازين خارج الوطن ما هو إلا تنفيس ومساعدة للحكومة والتخفيف عليها من مسؤولية حل مشاكل الفقر والبطالة والجريمة التي يعاني منها الوطن والمواطن.

ثانياً: عمل ما لا يقل عن ثمانين ألف (٨٠,٠٠٠) موظف أردني يعني فتح شواغر لما لا يقل عن ٨٠,٠٠٠ وظيفة في القطاع العام الأردني، وهي الميزة التي لولاها لارتفع معدل البطالة العام إلى أكثر من ٣٠٪؜، وخصوصاً وأن هناك إجراء متبع في القطاع العام يتضمن توظيف بدل المجازين. تخيل عودة ما لا يقل عن ٨٠,٠٠٠ موظف حكومي إلى عملهم كيف سيكون القطاع الحكومي مكتظاً (overstaffed) ! والمشاكل التي ستصاحب ذلك ؟!

ثالثاً: المشكلة الوطنية الوخيمة الأخرى التي ستحدث فيما إذا طُبق هذا القرار ولم يُلغى تتمثّل في أن عودة ٨٠,٠٠٠ موظف حكومي إلى عملهم تعني انعدام قدرة الحكومة على خلق وظائف في القطاع العام لمدة عشرة سنوات قادمة (بناءً على معيار ٨٠٠٠ شاغر هي متوسط قدرة الحكومة السنويّة)! كيف سيكون حال البطالة والفقر إذاً؟!

رابعاً: وجود ما لا يقل عن ٨٠,٠٠٠ موظف حكومي مجازون ويعملون خارج الوطن أو ما نسبته ٣٥٪؜ من مجموع الأردنيين العاملين خارج الأردن يعني أن نسبة الحوالات النقدية التي يحولها موظفو القطاع العام إلى الوطن هي تقريباً ٣٥٪؜ من مجموع الحوالات النقديّة السنوية. أي أن قيمة الحوالات النقدية السنوية التي يحولها موظفو القطاع العام المجازون ويعملون خارج الوطن تتجاوز ثمانمائة مليون (٨٠٠,٠٠٠,٠٠٠) ديناراً. وإذا ما أخذنا مضاعف الإستهلاك المستقل (مضاعف الدخل)، فإن هذا يعني أن مساهمة موظفو القطاع العام المجازون بدون راتب ويعملون خارج الوطن لا تقل عن مليارين وأربعمائة مليون ( ٢,٤ مليار) ديناراً، أو ما نسبته ٧٪؜ من الناتج المحلي الإجمالي. الأمر الذي يساهم بشكل رئيسي في رافعة النمو الإقتصادي على مستوى الإقتصاد الوطني وخلق وظائف في القطاعين الحكومي والخاص أكثر مما تساهم به النفقات الحكومية الكلية السنوية التي تعجز عن خلق ٦٠٠٠ شاغر حكومي سنوياً.

خامساً: إن المبرر لهذا القرار غير العقلاني الذي أوردته بعض الجهات الحكومية والمتمثل في “المحافظة على الكفاءات الوطنية” ليس مبرراً منطقياً ولا مهنياً ولا واقعياً. فالواقع يقول أن الكفاءات الأردنية المهاجرة هذه لم تكن لتهاجر لو تم إنصافها ووضعها في مكانها المناسب وحمايتها من الفساد الإداري وحمايتها من الظلم والإجحاف الذي دفعوه ثمناً للواسطة والمحسوبية اللتان حرمت الوطن من تلك الكفاءات. وهنا أقسم أن أحد الأسباب التي دفعتني شخصياً لأخذ إجازة بدون راتب والعمل خارج الوطن هو الظلم الذي لحق بي إدارياً ومهنياً أثناء عملي في الأردن، والقصة هنا طويلة لسنا بصددها.

سادساً: هناك نسبة لا تقل عن ٦٠٪؜ من موظفي القطاع العام (المجازين والعاملين خارج الوطن) قد اقترضوا من البنوك الأردنية قروضاً في معظمها سكنية شخصية، ويبلغ القسط الشهري لهذه القروض أضعاف الراتب الإجمالي للموظف المجاز  فيما لو عاد والتحق بوظيفته في الوطن، وهذه القروض في معدلها لأجل خمس سنوات! فكيف يعمل هؤلاء؟! وأي ضائقة مالية سيمرون بها؟! ومن يحل مشكلتهم هذه؟ ومن سيدفع عنهم الأقساط البنكية للقروض السكنية هذه؟!

نتمنى على صاحب القرار ومن له نفوذ في ذلك (لا بل نستصرخهم صرخة وطنية) أن يتم تدارك العواقب الوخيمة لمثل هذا القرار ومخاطره الإجتماعية والوطنية والإقتصادية، ويتم إلغاء هذا القرار أو هذه المادة من مشروع نظام الموارد البشرية المقترح. وعلى العكس من ذلك تسهيل كل ما يحتاجه موظفو القطاع العام المجازون والعاملون خارج الوطن وذلك لكل الأسباب التي أوردناها هنا وغيرها.

حمى الله الأردن، والله من وراء القصد.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى