
#مبتدأ_وخبر
دموع الصياد
المبتدأ: بعد أن تمكن الصياد من اصطياد عددٍ كافٍ من الطيور، أخذ في جمعها وربط أرجلها معا ليسهل عليه حملها، ولما كان الطقس قارس البرودة، فقد أخذت الدموع تسيل من عينييه وتتساقط من أنفه المحمر، فطفق يمسحها بطرف كمه كل هنيهة، رأت عصفورة صغيرة هذا المنظر فقالت لأختها: أنظري الى هذا الصياد ما أرق قلبه، إن دموعه تنهمر حزنا على الطيور الميتة، فردت عليها: يا بلهاء لا تغرنك دموع عينيه، بل انظري الى فعل يديه.
الخبر: لا أعتقد أن أحدا غير من كتبوه قد قرأ “وثيقة الأخوة الإنسانية”، والتي هي البيان الختامي للمؤتمر الذي عقد في أبوظبي مؤخراً، فلم يعتد أحد الإلتفات الى المواضيع الإنشائية التي تتغنى بأخوة البشر، فعلى الرفوف منها مجلدات حافلة بالعبارات المعسولة من تلك التي تقال في المؤتمرات والندوات، فما يهم الشعوب المنكوبة هي فعل أيدي هؤلاء الذين يطالبون غيرهم بالتخلي عن خطاب الكراهية ونبذ أعمال العنف والإحتكام الى الحوار في حل الخلافات، فيما هم اذا غضبوا يبطشون، واذا نقموا من أحد لا يرحمون.
ترى لماذا تم الإيعاز لمنظمي هذا المؤتمر بجمع ممثلين من عشرات العقائد والمذاهب والملل، في الجزيرة العربية بالذات؟، سواء كان هؤلاء ممن يعبدون الله ويوحدونه أو ممن يشركون به أو ممن يعبدون البقر والحجر والشجر.
المرامي والأهداف المأمولة من وراء ذلك كثيرة أهمها:
1 – كان من الضروري التعمية بعناوين مثل الأخوة الإنسانية على الهدف الرئيس، وهو كسر المانع الشرعي الذي صدر بالأمر الإلهي بحظر دخول للشرك من جديد للجزيرة العربية بعد أن طهرها الله منه، والذي أنزله الله في السنة التاسعة للهجرة، وظل مطبقا طيلة القرون الأربعة عشر الماضية: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا” [التوبة:28]، وجاء معززا لقوله تعالى: “وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّه”، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا يجتمع في الجزيرة دينان”.
وصحح هذا الحديث ابن باز: “لقد صح أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لا يجتمع في الجزيرة دينان) وصح عنه أيضا أنه أمر بإخراج اليهود والنصارى من الجزيرة، وأمر أن لا يبقى فيها إلا مسلم، وأوصى عند موته صلى الله عليه وسلم بإخراج المشركين من الجزيرة ، فهذا أمر ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وليس فيه شك” [“فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز” (3/282)] .
2- لقد غر أعداء الإسلام التاريخيين، ما حققوه من نجاح بتجنيد الأنظمة العربية في حملتهم لاستهداف الإسلام بدمغه بالإرهاب، واعتقدوا أنهم حققوا مبتغاهم في النيل منه، لذلك يعتقدون أن الفرصة الآن ملائمة لاستهداف قبلة المسلمين ومهوى أفئدتهم.
فبعد أن نجحوا بتمرير اقامة معبد بوذي وثني في ابوظبي قبل عامين، جرى الترتيب لاختراق التوحيد، الذي هو جوهر العقيدة، بإرسال البابا بذاته ليقيم أول قداس وفق عقيدة التثليث الشركية، بشكل بالون اختبار لردة فعل المسلمين، وذلك تمهيدا للتوسع بإقامة مثل تلك الطقوس في أرض الحجاز.
3 – وبالفعل فقد صدر قرار فور انتهاء المؤتمر بتأسيس ما سمي (بيت العائلة الإبراهيمية)، أي فتح الباب أمام إقامة بيوت دينية مسيحية ويهودية رغم أنه لا يوجد في الجزيرة إلا مسلمون.
4 – هنالك فارق كبير بين احترام عقائد البشر والتعامل معهم بالأخوة الإنسانية وفق المبدأ الشرعي: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا” [الحجرات:13]، وبين تقبل العقائد الزائغة ومساواتها بالعقيدة الصحيحة، كما أن هنالك فارق بين ضرورة احترام الإنسان بغض النظر عن عقيدته، وبين اعتبار الباغي هو إنسان مثله مثل الذي وقع عليه البغي، فقمة الظلم هو أن تطلب من المظلوم محبة الظالم والتنازل عن حقه المسلوب بذريعة الأخوة الإنسانية.
كم هو بائس حال تلك الفراخ الصغيرة التي تبذل جهدا في إقناع الضحايا بأن الصياد يذوب رحمة وشفقة عليهم، وتأمل أن تنجح بذلك!.