دعم القطاع الخاص بين المفترض والواقع

دعم القطاع الخاص بين المفترض والواقع
أ. د أحمد العجلوني
أكاديمي وخبير اقتصادي

من البديهي افتراض أن الحكومة تتعامل مع المجتمع بكامل شرائحه وقطاعاته في سعيها لتحقيق المصلحة العامة للبلد كما يتعامل الأب مع أبنائه، ويفترض أن الحكومة الناجحة لا تحابي شريحة على أخرى أو قطاعاً على آخر. وقد أتت أزمة الكورونا لتمثل اختباراً حقيقياً لمدى التوازن والعدالة في تعامل الحكومة مع الشرائح المختلفة للمجتمع من خلال تعاملها مع موضوع دعم القطاع الخاص في مواجهة الجائحة.
لم ينتظر ممثلو القطاع الخاص حتى ينجلي غبار الأزمة وقاموا منذ الأسبوع الأول بالضج بالشكوى بأن مصالحهم سوف تنهار وأنهم مهددون بالإفلاس وأن الموظفين لديهم سوف يسرّحون ويعانون من البطالة. وعلى الرغم من المبالغات الواضحة والتضخيم لخسائر “محتملة” فقد كانت الاستجابة السريعة من الحكومة كممثل لمصلحة المجتمع بالمبادرة إلى تقديم المبادرة تلو المبادرة والدعم تلو الدعم للقطاعات الاقتصادية. وهي إذ تقدّم أنواع الدعم لقطاع معين وتعطيه الأولوية بالاهتمام فإنها تدرك -أو هكذا يفترض – أن هذا سيكون على حساب قطاعات أخرى في المجتمع وأن مالكي الشركات ليسوا -بالتأكيد- المستهدفين بالدعم؛ لأنها ليست مسؤولة عن نجاح مشاريعهم وضمان تحقيقهم للأرباح، وإنما لمساعدة تلك الشركات من وجهة نظر اقتصادية عامة ومصلحة المجتمع، خاصة من زاوية تخفيض البطالة واستمرار الموظفين في أعمالهم في هذه الشركات.
وبالرغم من ذلك فقد شاب الدعم الحكومي للقطاع الخاص الكثير من نقاط الضعف التي جعلت من هذا الدعم لمصلحة فئة معينة هي فئة أصحاب الشركات والرأسماليين على حساب الطبقة العاملة التي كان يفترض أن يكون الدعم لصالحهم بحيث يستمرون في أعمالهم ولا يعانون من البطالة وما تجرّه من ويلات عليهم وعلى المجتمع. وقد تأثرت إجراءات الحكومة لدعم القطاع الخاص بقوى الضغط لرجال الأعمال والمستثمرين والمساهمين ولم تتم وفق المصلحة العامة.
وقد أتت الظروف مواتية للغاية لصالح رجال الأعمال بوجود رئيس وزراء وفريق اقتصادي لم يخلعوا عباءة الطبقة الرأسمالية التي أتوا من مؤسساتها وتنتظرهم المقاعد في إداراتها!! وبنفس الوقت غابت عين الرقابة النيابية التي وجدت لتكون “حمراء” على الأداء الحكومي، إلا أنها باتت “عيناً مكسورة” لفرط ما انغمس به الكثير من النواب من الصفقات والمصالح الاقتصادية من فوق الطاولة وتحتها مما تقدّمه لهم الحكومة لاستمالتهم ومحاباتهم في المشاريع والعطاءات وباقي قائمة التنفيعات.
كذلك جاء هذا الدعم غير مبني على دراسات وبيانات وإنما على مقدار الضغط الذي مورس على الحكومة. فقد تم محاباة قطاعات لم تتضرر من الأزمة إن لم تكن استفادت حتى! فما زلنا لم نر إحصائيات دقيقة أو نتائج محددة لبرامج الحكومة ومبادراتها لدعم فتاها المدلل (القطاع الخاص)!
ولنا أن نتساءل: ما هي نتيجة إطلاق 550 مليون دينار من احتياطيات البنوك ومن استفاد منها وكيف وكم؟ علماً بأنها غير مبررة أصلاً لوجود سيولة فائضة لدى البنوك تغطّي الاحتياجات التمويلية بدون الحاجة إلى تخفيض نسبة الاحتياطي إلى أدنى مستوى في تاريخ النظام المصرفي الأردني.
لقد تم تسريح الكثير من الموظفين والعمال بحجة الكورونا، وقامت كثير من الشركات بتعليق فشلها وخسائرها على شمّاعة الكورونا وكان هؤلاء الموظفون والعمال -بالطبع -كبش الفداء التقليدي. وللأسف الشديد فإن أوامر الدفاع كانت في مجملها متحيّزة ضد العمّال ولصالح الرأسماليين.
وبما أن لجوء القطاع الخاص للدعم الحكومي يعني اللجوء للأموال العامة بشكل مباشر أو غير مباشر فإنه يتطلب رقابة عامة حكومية على بذل هذا الدعم وكيفية التصرف به ومدى انعكاسه على الاقتصاد الوطني وعلى المواطنين.
فهل سعت الحكومة للتأكد من أن المزايا والمكافآت والأرباح للإدارات العليا وأصحاب الشركات قد تأثرت فعلاً؟ وهل ارتفعت نسبة البطالة بين المدراء كما ارتفعت بين الموظفين والعمّال؟ ثم…هل تحققت من أن هذه الطبقة قدّمت شيئاً مما تتمتع به؟ أم أن هذه الطبقة “مقدّسة المزايا” لا تمسّ وليس عليها أن تتحمل ما يتحمله الوطن والناس من قريب أو بعيد؟!
إن الحكومة مطالبة من المجتمع بأن تجيب عن هذه الأسئلة التي تبيّن مدى جديتها في العمل للصالح العام وليس بمحاباة فئة على أخرى:
ما هو تأثير القرارات على نسبة البطالة؟ وهذا أهم شيء بالنسبة للمجتمع وأكثر الأسباب أهمية لتبرير دعم القطاع الخاص.
ونتساءل -أيضا-:
هل تقصّت الحكومة من الشركات والمؤسسات التي حصلت على الدعم عن مدى استفادة موظفيها من الدعم مشفوعا بالأرقام الموثقة الدقيقة وليس بالتقديرات العشوائية؟
وكم شركة أعلنت إفلاسها لغاية الآن مقارنة بما كان “يبشّر” به الكثيرون من انهيار الاقتصاد بسبب الكورونا؟
وهل تأثرت العوائد على المساهمين ومكافآت مجالس إدارات الشركات ومزاياهم مقارنة بالتكاليف التي تحمّلها الموظفون والعمّال من تسريح أو تخفيض رواتب؟
كذلك: أين هي جهود دعم القطاع الخاص للقطاع الخاص نفسه؟ أين دعم الشركات الكبرى والمصارف التي استفادت من الأزمة في دعم المؤسسات التي عانت منها؟
ولكي يكون الطرح عملياً وذا جدوى تتعدى مجرد الإشارة إلى نقاط الخلل فإن المطلوب تشكيل لجنة محايدة من أكاديميين ونوّاب وموظفين متقاعدين من وزارتي المالية والتخطيط ومن البنك المركزي لمراجعة جدوى إجراءات الدعم وتقييمها وإعلان نتائج التقييم للشعب. فإن كان الدعم للمصلحة العامة فبها ونعمت، وإن كان العكس فيجب إعادة النظر في هذا الدعم، وإعادة توجيهه لمن يستحقه من الموظفين والعمّال وباقي طبقات الشعب المسحوقة؛ ومحاسبة من قصّر في هذا العمل.

حفظ الله الأردن من كل شر؛ وأدام ازدهاره

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى