دائرةُ الأحوالِ المدنية في المزار الجنوبي

دائرةُ الأحوالِ المدنية في المزار الجنوبي ريادةٌ في الإنجازِ والمثاقفة
أ.د. خليل الرفوع
قبلَ أيام استخرجتُ معاملةً لي في دائرة الأحوالِ المدنية والجوازاتِ في لواءِ المزارِ الجنوبي (محافظة الكرك) ، وقد اُنْجِزَ المطلوبُ خلالَ دقائقَ معدودةٍ ، ولعلَّ هذا الخبرَ عاديٌّ في ظلِّ علم الحوسبة وتقنياتها الحديثة ، وهي بذلك قد تشتركُ مع بقية الدوائر الأخرى في الدقة والسرعة والتنظيم ، لكن ما يُدْهَشُ له ثلاثةُ منجزاتٍ مشهودةٍ تستحقُ مديرتُها والموظفون فيها احتراما وشكرا وإشادة فائقةً ، وهي :
أولها : وجود مكتبة على رفوفٍ مُعَلَّقة على عمود يتوسطُ قاعة الانتظار المبلطة بأفخر أنواع بلاطِ (البورسلان) ، وفي تلك المكتبة مجموعة من الكتب والكُتيبات والمنشورات المتنوعة القيمة التي تناسب المراجعين باختلاف مستوياتهم الثقافية ، وهذه لفتةٌ تنبئ عن ريادةٍ في التفكير والثقافة لدى موظفي الدائرة ، فالدقائق التي يجلس فيها المراجعون على الكراسي المحيطة بالمكتبة تغري بتصفحها ولو بقراءة صفحة واحدة أو التقاط حكمة أو فكرة أو الاكتفاء بقراءة عناوينها .
ثانيها : وجودُ عددٍ من الكراسي المتحركة لذوي الاحتياجات الخاصة ، تستخدم للمراجعين المرضى وكبار السن ، وقد أُخْبِرْتُ أن بعض الموظفين قد تبرعوا لتوصيل من لا تحملهم أقدامهم ومساعدتهم من خارج المبنى إلى داخله، ثم إعادتهم ثانية ، إذ يقع المبنى في الطابق الثاني على الرغم من وجود مصعد ، وبإمكان إي مراجع مريض أو متعب التحرك عليها داخل المبنى، وهذه لفتة إنسانيةٌ يشكر عليها المتبرعُ الذي قدمها للدائرة .
ثالثها : تلك الرسوماتُ والكتاباتُ على جدران الدائرة ومدخلها بألوان جميلة مختارة تدل على رُقِيِّ المستوى الثقافي والفني ، فهي تريح الأبصار ، وتذكر من يقرؤها بمضمونها ولو قرأ فكرة واحدة لخرج بفائدة ، وتلك الجداريات تكشفُ عن لمساتٍ فنيةٍ جمالية.
لقدْ قرَّ في ذاكرتِنا أن الدوائرَ الحكوميةَ بِقِدَمِ مبانيها واسودادِ جدرانها وأرضياتها وبطءِ إنجازها أمكنةٌ للتوتر والقلق ورفع الضغط ، ولقد راجعت من قبلُ الدائرةَ نفسها في موقعها القديم بيدَ أن فروقًا بينهما تُلْمَسُ وتُلْحَظُ ، وليس ذلك لجِدَّةِ المبنى بل بِرُوْح الموظفين وحرصِهم على أن تكون مؤسستهم بيتا لهم ومضافةً للمراجعين ، وإنه لإحساسٌ عظيمٌ الشعورُ بأن المراجع أبا أو أما أو أخا أو أختا فهذا يزيد من الأُلفة والمحبة وحسن الحوار، فكم لمثلِ هذه اللفتات الإبداعية يحتاج وطننا ؛ فلفتةٌ واحدةٌ من موظف أو مسؤول عند شعوره بالأمان الوظيفي والطمأنينة قد يخرج المؤسسةَ من روتينية التعامل وكآبة المنظر إلى حسن الحديث وطيب المكان ، وإلى مثل هذه المجزات تحتاجُ دوائرُنا لتكونَ مراكزَ إشعاع جمالي ترقى بالذائقة وتنمِّيها بدلا من إحباطها وتوتيرها ، إن تعميم هذه المنجزات الثلاثة والبناء عليها هي مطالبُ وطنيةٌ في كل الوزارات والمؤسسات فوجودُها يحدث استنفارًا إبداعيا في الذائقة الثقافية والإنسانية والجمالية ومن ثم الذاكرة العامة التي هي في أشد الحاجة للسكينة والتأمل .
وبعد ، فكل الشكر لمن يسهم في إضاءة شمعة في وطننا ، وكل الاحترام لكل موظف مخلص منتمٍ .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى