خفة سياسية لـــ ماهر ابو طير

لم يعد لدينا في الأردن، شخصيات سياسية وازنة، إلا القلة؛ فأغلب مَن يعتبرون شخصيات سياسية هذه الأيام، يتسمون حقا بالخفة السياسية والشخصية. لا تتعلق القصة -هنا- بمفهوم الهيبة في الذهنية العربية وحسب، وهي هيبة قد تتأتى من السمعة أو الصوت أو الاطلالة أو السيطرة أو الكفاءة والخبرة، وقد تتأتى من القدرة الطبيعية على التصرف بشكل راكز، والتنبه لاشتراطات الموقع السياسي على صاحبه. أغلب الشخصيات لدينا اليوم، يمكن وصفها بالخفيفة، في تصرفاتها، وخطواتها، سواء خلال الوظيفة أو بعدها، وحين تتأمل ما يفعله معظم السياسيين في بلادنا، تجدهم بكل بساطة قد انحدروا إلى قاع الحياة، عبر تصرفاتهم، وسلوكهم، وعلاقاتهم، وما يفعلونه سرا أو علنا. حين تسأل بعضهم؛ يشكو لك مِنْ أن الدولة ذاتها لم تعد لها هيبة، فكيف تطالبه هو أن يكون ثقيلا أو وازنا، والكلام بصراحة غير دقيق؛ لأن تفكك هيبة الدولة جرى لأسباب أخرى، كان من بينها انتقاء هكذا نوعيات لمواقع القرار، وهي نوعيات نزعت عن الدولة «طوق الحماية المعنوي» بسبب التصرفات الشخصية، التصريحات، والسلوك؟!. لا يدرك بعض السياسيين في الأردن، أن وصوله الى موقع يفرض عليه شروطا كثيرة في حياته، اين يذهب، ومن يجالس، من يصادق، ماذا يتحدث، كيف يتصرف، ولو كانت هذه القضايا غير مهمة، فبماذا يختلف السياسي هنا إذا عن عامة الناس، ممن يتصرفون على راحتهم دون حساب لأي كلف عامة؟!. شكوك الناس بالسياسيين واشاعات وقصص الفساد، زادت من تحطيم صورة السياسي، فوق طحن المؤسسة الرسمية لابنائها مرارا، لكن هذه ليست ذرائع كافية، اذ بإمكان السياسي ان يتنبه الى سلوكه كثيرا، على المستوى السياسي أو الشخصي، بدلا من هذه السقطات اليومية التي نراها، ومن أجل صيانة ذاته أولا. السياسي في الأردن، اليوم، بات ُيصنع صناعة، وبمجرد ان تتخلى عنه الجهة الصانعة، أو ينتهي دوره الوظيفي يعود إلى طبيعته وتنكشف هشاشته وضعف تكوينه، على عكس السياسيين سابقا في الأردن الذين كانت ترعاهم جهات رسمية، لكنهم كانوا -ايضا- بحكم التكوين والخبرة، رجالا ثقالا، يدركون معنى ان يكونوا رجال سياسة في كل تصرفاتهم، حتى خارج الموقع الرسمي. كم يتبقى للسياسي اليوم في الأردن من قيمة، ونحن نراه يذهب الى «مآدب الطعام المصورة» ، مع مَن هبَّ ودبَّ، ويذهب الى «الجاهات المصورة» مع مَن هبَّ ودبَّ، ويذهب الى «العزاءات المصورة» مع مَن دبَّ وهبَّ ايضا، اعتقادا منهم ان هذا يصنع شعبية لهم بين الناس، جراء كثرة الظهور في كل مكان؟!. لايكون عادلا ولامنطقيا أنْ يعتقد السياسيون  أنَّ مؤسسات الدولة كلها امامها «مهمة واحدة» فقط هي صيانة سمعتهم وتأمين الحماية المعنوية لهم في مواقعهم وخارجها ايضا، إذ إن هناك دورا اهم على ذات السياسي بصيانة نفسه وسمعته، والتفكير في كل خطوة يخطوها او كلمة يقولها وسط هذا الفضاء الغارق بالاشتباكات، والترصد والقنص السياسي. مما يؤسف له بصراحة، ان لا طبقة سياسية لدينا اليوم، والطبقة الموجودة عبء على الحكم وتشعر انها دوما مظلومة وتريد المزيد، ويشعر الناس بالمقابل انهم ابتلوا برجال لا وزن لهم خارج حاضنات الخداج الرسمية، وتصرفاتهم التي تتسم بالخفة لهي أكبر دليل. كل مانقوله للسياسيين في الاردن، إن السياسي الأصيل لايقبل أنْ يكونَ لقمة سائغة في فم الناقدين، حين يتم الاشتباك معه كل يوم، وهو اشتباك لم يحصل لولا ان ذات السياسي بات يقبل على نفسه ان يرتمي ما بين مائدة وعزاء وجاهة وخطبة، ويترامى -ايضا- بين احضان الاصدقاء ممن هم في ذروة الحياة، أو ممن هم في اسفل المدينة، أو ينزلق نحو كلام غير مناسب. ثم يقولون لك ردا على كلامك: هل تريد منا أنْ نحتجب عن الاصدقاء والناس، فيتم اتهامنا لحظتها بالتكبر والغرور والانسحاب، فترد وتقول، إنَّ مَن كانوا سياسيين كبارا في الأردن، لم يحتجبوا -أساسا- عن الناس، لكنهم امتلكوا غريزة الانتقاء، أين يظهرون، ومتى؟، ومع مَنْ؟ (…)هذه هي كل القصة؟!. كنا نظن سابقا أنَّ الهيبة السياسية هيبة طبيعية، وهذا أمر صحيح، لكن الهيبة صناعة ايضا، وقد ابتلينا اليوم برجال لا كانت الهيبة هيبة طبيعية فيهم، ولا قاموا بصناعتها ايضا

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى