خطبة أم قراءة الجمعة!!!
د . ناصر نايف البزور
لا يخفى على أحد أنّ الأسماء تُحدّد المُسمّيات تعريفاً أو إشارة، أو تخصيصاً أو ضبطاً… إلخ!!! فلو ناديتَ “يا علي”، فلن يأتيك محمود حتّى لو “نشف حلقك” 🙂 و لو طلبت من البائع قطعة “سنكرز” فلن تقبل أن يعطيك قطعة جميد حتّى و لو كان الجميد كركياً 🙂 و لو “عزمك” صديقك على وجبة “هامبيرغر” فلن تقنعك قوّة في الدنيا أنّها “مقلوبة” حتّى لو “قلبوا طاقية راسك” 🙁
فبهذه التسميات و الأسماء المنضبطة تنضبط حياتنا في جميع مناحيها و تسهُل المعاملات بين البشر إذ أنّ اللغة ما هي في المقام الأوّل إلاّ و سيلة للتواصل، و التفاهم، و التعليم، و التعبير و التأثير!!!
و نعلم جميعاً أنّ صلاة الجمعة فريضة أسبوعية مستقلّة تنعقد بأحكام، و شروط و أركان؛ و قد اختلف أهل العلم بتفاصيل كثيرة حول هذه الأحكام، و الشروط و الأركان لكنّهم لم يختلفوا قطُّ في وجوب الخطبة؛ فلا صلاة جمعة بلا خطبة!!! فلو اجتمع الآلاف و صلّوا خلف أتقى و أعلم الأئمة دون أن يخطب بهم، فقد أدّوا صلاة الظهر لا الجمعة…!
و كلمة خطبة تستلزم في اللغة و الاصطلاح أن يكون الخطيب إنساناً (فلا تُسمى خطبة أذا كان المؤدّي لها غير إنسان)؛ فلو قمنا بتشغيل جهاز مسجّل بصوت الشيخ كشك، لما استطعنا أن ننسب الخطبة إلى جهاز التسجيل بقولنا: الخطيب “توشيبا” مُبدع 🙂
و الخطبة أيضاً تستلزم الإلقاء و التفاعل البصري و العاطفي و العقلي بين المؤدّي و المتلقي؛ فيحتاج الخطيب بذلك إلى قدرٍ كبير من المشافهة، و براعة الإلقاء، و تحسّس تفاعل الجمهور، و البلاغة، و الفصاحة، و جودة الصوت و التنغيم و تنويع الوقفات بما يقتضيه المقام و غيرها من الأدوات المؤثّرة…
أمّا عندما يصعد الشيخ المنبر و يمسك بوريقات بالية و يبدأ بالقراءة الرتيبة و عيناه لا تفارقان وجه الورقة التي ترتجف بين أصابعه، فلا يُمكن أن نُسمّي هذا خطابة أو خطبة و لا هذا الرجل خطيباً… 🙁
فشتّان بين الفعل “خطب” و الفعل “قرأ” في الهدف، و الطريقة، و النوع و الأثر و إن اشتركا ظاهرياً في محتوى فعل “الكلام”!!! فالفرق بينهما كالفرق بين المنسف الأردني الساخن و الرز بحليب “البحتة” الباردة و إن اشتركا في محتوى مادّة الطعام (الرز) و الحليب!!!
فالفريضة المطلوبة هي خطبة/ خطبتا الجمعة و ليست “قراءة” الجمعة؛ فجميعنا يستطيع القراءة في بيته؛ بل و يُجيد القراءة أكثر من الكثير من الأئمة الذين باتوا يُتَعتِعون حتّى في قراءتهم لوريقاتهم التي أصبحوا ينسخونها عن مواقع الانترنت!!!
لقد ضاعت هيبة مناسفنا يوم استبدلنا الجميد البلدي بشنينة حمّودة، و الصنوبر بالفول السوداني و لحم الضأن المُكتنز بكبريت الماجي “المسلوع”؛ فضاع الدسم، و الطعم و الكرم!!! فيا وزارة الأوقاف لا تسمحي بضياع هيبة خطبة الجمعة بنزع دسمها وطعمها و رائحتها 🙁 و الله أعلم و أحكم