حُــكَّ لـي حتَّـى أحُــكَّ لـك” / عبد الكريـم العـزام

حُــكَّ لـي حتَّـى أحُــكَّ لـك”

إنَّ تعيينـات الحكومـة لإخـوة النـوَّاب فـي الوظائِـف الإداريَّـة العُليـا قضيَّــة تستحِــق الوقُــوف عندهـا بعـد أنْ تجَـذَّرت هـذه الظَّاهـرة وتكـرَّرت مع أكثـر مِـن حكومـة وأكثـر مِـن مجلِـس نيابِـي.
فقبْــل سنـوات تـمَّ نقل بعـض الأُمناء العامِّيـن إلى وظيفـة مُستشـار في نفـس الوزارة التي يعمَـل بهـا, ونُقِــل بعـض المديريـن العامِّيـن من مواقعهم, و أُحِـيــلَ عـدد آخــر إلى التقاعُــد لِيُعَيَّـن مكانهُـم أكثـر من خمسـةٍ وثلاثيـن وظيفـة عليـا جُلّهم من إخـوة النوَّاب والمتنفِّـذيـن. ولعــلَّ جميعنا عـرف حينهـا أنَّ تلـك التعيينـات كانـت مُقايضـة بيـن الحكومـة ومجلـس النوَّاب لنيـل الثقــة أو حتَّـى يُصـوِّت النـوَّاب لشخـصٍ بعينه كـي يفـوز برئاسـة مجلـس النــوَّاب.
واليوم يُكرِّر التاريـخ نفسـه فعندمـا يُعيَّــن الوزيــر، وعندما يفُـوز النَّائِــب، غالباً ما ينصـب تفكيــر أغلبهـم كيـف يفــوز بأكبـر قــدر من لحـم الأُضحيـة، فإمَّا أن يقطـع من اللحـم بنفسـه وإمَّا أن يستعيـن بغيـره فتُشكَّــل الكُتَـل, وتتواءم التوجُّهـات، ويبدأ تقسيـم الغنائـم على أنفسهم أولاً ومن ثـم على أقاربهـم ومن يُحبِّـون.
لعـلَّ بعـض النـوَّاب أو مَـن رفَـع الله مراتبهُـم، يُفَكِّـرُون دائِمـاً بمقـدار ما دفعــوا مِـن أمـوال في حملاتهـم الانتخابيَّـة أو أنَّ(الحـظ كالقطـار يمُــرُّ بالمحطَّـة مـرَّة واحِــدة ) ولهـذا لا بُــدَّ من اقتنـاص هـذه الفُـرصَــة.
إنَّ الحُكـومـة تعـرف أنَّ تنفيـذ مآربها لا يتِـمُّ إلَّا بِغَـض نظــر المجلـس النيابـي عنها, والمجلِـس النيابـي لا يُعطـي شيئاً دون مقابل، وبهـذا يعـرف كُـل طـرف أنَّـه لا بُــدّ مِـن تبـادُل المنافِـع، فيتبادلُـون بالكلام المباشِـر وبالرَّسائِـل وغمـزات النظـر أنَّـه ((حــكَّ لـي حتَّـى أحــكَّ لـك)).
وبعد أنْ يأخُـذُوا المُكـافـآت, ويأخُـذوا المناصِـب ويفيـض كأسهـم فيُـوَزِّعُــوا على الأقارِب والحبايـب ولكنَّهم يتنبَّهُـون أيضاً أنَّـه بقِـي عليهِـم شيء واحِـد هو: أنْ يُسَجِّلُـوا لأنفُسِهِـم تاريخـاً مُشـرِقَـاً ناصِعـاً, أنَّهُـم الأكثر انتمـاءً, والأكثــرُ ولاءً والأكثــرُ حُبَّاً للـوطــن, وأنَّهُـم الأكثَـرُ ذكَــاءً, وأنَّهُــم الأنجَـحُ فـي الإدارة وتولِّـي المناصِـب, وأنَّهُـم الذيـن أكرمهُـم الله بجينـاتٍ وراثيَّـةٍ مُمَيَّـزةٍ انتقلَـت إليهم مِن الوالِد إلى الوَلَـدِ وشـيء آخَــر لا يَغِيــبُ عَـن بَالِهِـم وهُــو سحــق، وحــرق كُـل مَـوهُــوبٍ حقيقـي مِـن الله حتَّـى لا يكشــف لهُـم مستُــور وحتَّـى يظــل المُجتمَــع فيـه طبقــة حاكِمَـة وطبقَـة محكُـومَــة بينهمـا برزخٌ لا يبغيـان.
أمام هـذا الواقِـع المُؤلِـم الذي نـرى فيــه المُراقِبُـون علـى الحُكُـومـات (النُّـوَّاب) تلجمهُـم الحكومـات بالأعطيــات مِـن مــالٍ ووظائِـف وتنفيعــات.
ونــرى الحكومـات تسـرح وتمـرح فتَـرفَــع مَـن لا يستحق وتُنـزِّل الأعــزّاء مِمَّــن يَستحِقُّــون.
هذا عـدا عـن القـرارات الكبيـرة التي تمـس مُستقبَـل الوطـن والمُواطِــن.
إنَّ مِثــل هؤلاء لا يُفكِّــرون بالوطـن ولا بالمُواطِــن.
إنَّ مِثــل هؤلاء لا يُفكِّرون إلَّا بأنفُسِهِــم وعائلاتِهِــم وما يُحقِّقُـون مِـن مكاسِـب .

في الوقـت الذي يُواجِـه فيــه الوطــن أعتَــى الأمـواج التي تَعصِفُ بالوطَــن العربـي ونحنُ جُــزءٌ منـه نَجِـدُ هؤلاء يُفكِّــرون فقــط كيــف يَعودُون إلى بيوتهِــم بالغنائِـم.

الشعب يَعرِفُ أنَّنـا فِـي زَمــنٍ تَسُودُهُ شريعــة الغــاب، زمــنٌ كَثُـــرَ فيــهِ المُتَـزَرِّقُــون و المُتَنَقِّـلــون فِـي السَّـراديــب ولـولا أنَّــك السياسي بالوراثـة لأصابنــا مـا أصابَ غيرنــا مِــن قتــلٍ وتشـريــدٍ وضياعٍ للأوطــان.
الشعب يَعــرِفُ ويُـدرِكُ كُـلَّ شـيء ، ولكــن صَـدَق في هؤلاء المُتنفعيـن المَثَــل الذي يقُــول ((حَـرامـي البيـت مِـن بعض أصحابه عيَّـا (أيْ صَعُـبَ لَجْمُه) على مائة حارِس)).
سينتهـي هؤلاء المُتنفعيـن وقــد ينتهُــون قبــل آجـالهِــم، وستظَـل جلودهُــم جَربَـــى لا تَجِــدُ مَــن يَحُكُّهَــا ولا القطــران الذي يُعالِجُهَــا.

مقالات ذات صلة

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى