محنة الإعلام في هذه الأزمة

محنة الإعلام في هذه الأزمة
ماهر أبو طير

تتصفح عشرات الصحف والمواقع الإلكترونية ومواقع شبكات التلفزة يوميا، وحيثما وليت وجهك تأتيك قصص كورونا، من زوايا مختلفة، فالوباء سيطر على الإعلام.
هذه سيطرة طبيعية، لأن الخبر الأول اليوم، يرتبط بالوباء، في كل دولة، وفي دول العالم، هذا بالإضافة إلى أن تداعيات الوباء السياسية والاقتصادية والاجتماعية، تطغى على التقارير والتحليلات والمقالات، فالكل يتحدث عن كورونا فقط، وكأن إعادة برمجة حدثت بشكل إجباري للعقل البشري، حتى يصير مشدودا نحو نقطة واحدة فقط، مقابل شطب عشرات الاهتمامات الأخرى، او تراجعها في هذا التوقيت.
الإعلام في قصة الوباء تعرض الى تغيرات قهرية، من غياب الصحافة الورقية، الى خسائر الإعلانات وصولا الى السباق حول الأسرع نشرا للمعلومة، وتأثيرات الحظر المنزلي التي تدفع الجمهور نحو شاشات التلفزة، ثم تعطل الصحفيين في دول كثيرة عن عملهم المعتاد، بسبب الحظر، والعمل بعيدا عن الميدان، عدا حالات محدودة، وهكذا تنخفض طاقة الصحافة الحيوية الى الربع، وهذا الربع يركز فقط على كورونا، وتأثيرات الوباء المختلفة على دول وشعوب العالم.
بقدر كون الأمر يبدو نتيجة طبيعية، إلا أن الخطر فيه يكمن في عدم قدرة الإعلام على إعادة استرداد الجمهور نحو بقية الأولويات والقصص، وهذا يترك أثرا على الروح المعنوية للشعوب، وربما الصحافة والإعلام هنا مضطران، إذ يستحيل أن تتحدث كثيرا عن انتخابات نيابية في الأردن، أو تشكيل الحكومة الإسرائيلية، أو الانتخابات الأميركية المقبلة، وغير ذلك، فيما العالم يقف على قدم واحدة، وكل شيء مؤجل، أو يتم تجميده حاليا، لصالح قصة طاغية على كل القصص.
هل يستطيع الإعلام هنا أن يقاوم هذه الموجة، ويخرج من الحالة السلبية النفسية على الصعيد المعنوي، بسبب وباء كورونا، وهذا سؤال مهم، وأعتقد أن الإجابة عليه، ممكنة، عبر القول أن هذا ممكن جزئيا وبالتدريج، خصوصا، أن الخروج الجزئي من دائرة الوباء، وتغيير نمط الكتابة والتغطيات قليلا، يساعد على استرداد الروح المعنوية، وحض الناس على العودة لطبيعتهم، وتبشيرهم أن كل شيء سوف يعود إلى طبيعته الأولى، حتى برغم وجود أضرار إنسانية واقتصادية.
هذه مهمة صعبة، إلا أن تنفيذها في كل وسائل الاعلام في العالم، بحاجة الى أفكار إبداعية من نوع آخر، خصوصا، أن الارتهان فقط في الإعلام لقصة كورونا، بات يؤدي الى تحطيم أكبر، من آثار كورونا نفسها، وعلينا أن نحلل الأثر النفسي الاقتصادي، بسبب التغطيات السلبية جدا حول التداعيات الاقتصادية بسبب الوباء، فهي وإن كانت تتحدث عن حقائق، إلا أنها لا تترك مساحات بيضاء للتفاؤل، ولا تساهم بإخراج الناس من حالة الموت البطيء بسبب شعورهم أن كل شيء سينتهي تماما، إن لم يكن بالوباء، فبسبب تأثيراته الحادة على الجميع.
أنا لا أدعو لدور شمولي للإعلام على طريقة الإعلام في دول مثل الصين، حيث الرواية واحدة، ويتم التحكم بكل شيء، ولا أتهم الاعلام أيضا بكونه يدمر المجتمعات من الداخل بسبب جعل كورونا القصة الوحيدة، ولا أقتنع أيضا بالدور الوظيفي لوسائل الإعلام بحيث تزين القبيح، وتوزع الأوهام، لكن بداية نهضة المجتمعات وخروجها من حالة اليأس بسبب الوباء، وتأثيراته الاقتصادية، ستكون من الإعلام الذي عليه واجب إعادة الناس تدريجيا إلى حياتهم واهتماماتهم وتذكيرهم ان هناك شيئا ما لا يجوز أن يخسروه في هذه المحنة التي تضرب العالم.
الإعلام يسير على حبال مشدودة، بين رواية الحقيقة، أو تضخيمها والمبالغة بكلفتها، أو التخفيف منها وخداع الناس، هذا بالإضافة الى تحوله الى إعلام كورونا، وكأن لا حياة نعيشها، وتطلعات مستمرة، واهتمامات قائمة في هذه الحياة، حتى في أصعب الظروف التي نعيشها هنا في الأردن، أو يعيشها العالم بأكمله.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى