حوار وطني لمن ولماذا ؟!

حوار وطني لمن ولماذا ؟!
أ. د. خليل الرفوع

هل هو ترف سياسي خيالي أن يدعو مجموعة من الشخصيات إلى مؤتمر لحوار وطني، هي دعوة في ظاهرها استشراف لعلاج تراكمات مزمنة من الانحراف – الاقتصادي السياسي الاجتماعي السلطوي – وفي باطنها تبدو محملة بالنقد لحالات جزيئة متناثرة من المشهد الشمولي الذي ينبغي ألا يُجَزَّأَ وبخاصة حينما يكون بعض من الذين يدعون إليه جزءًا تاريخيا من أسباب التشتت الوطني واللاحوار  ؛ إنها مأساة الوطن حينما يفتقد لرجال دولة بحجم وصفي التل وصدقه، يعطون ولا  يأخذون، وأما الذين يأخذون ولا يعطون فأولئك الذين يبحثون عن مواقع سياسية وهم يرقمون على الماء، إن التقاعد الإجباري من العمل العام بلا سابقة في الإصلاح لا يؤهل أصحابه لإصلاح ما اعوج من الطريق وقد كانوا سببا رئيسيا أو ثانويا في ذلك الاعوجاج.
إن طرح الآراء الرمادية هي حرفة من لا حرفة له، وسبيل الذين يتموقعون في غرف الثرثرة وصالونات الانطباعية الشللية، وهم يحسبون أنهم أوتوا حظا من الثقل الاجتماعي والوزن السياسي ، إنها حالة مكرورة من التشتت أن  تسير أي جماعة بلا رؤية واقعية أو خطط برامجية تدرس وتستشرف بعمق فكري بعيدا عن عناوين عامة يدركها المبتدئ في الجدال المفضي إلى اللاشيء، إنه أقرب إلى نرجسية الاستعراض أو حالة (نحن هنا) .
غياب التمثيل الحقيقي زلازل يدك  أسس أي بناء للدولة، والأخطر هو تلك الارتدادات التي تتمثل في التجاوز على القانون التي تمارسه السلطة التنفيذية ومن كانوا ذات سنين مشاركين فيه تحت مظلة لا أريكم إلا ما أرى وهم يزعمون الآن الهيام في العشق الوطني.
ما الذي يجمع بين أحزاب متنافرة وشخصيات متكالبة على صدور المجالس الخالية كي يوقعوا على عناوين إنشائية  مطالبين بمؤتمر وطني، وأي مؤتمر ذلك المنتظر ومن سيدعو إليه ومن هم المدعون إليه، وهل يمثلون الشعب حقيقة أم هي المخترة السياسية والبهرجة البهلوانية في زمن اضمحلال الحكمة والرشد.
وماذا تصنع مؤتمرات الشاي ووجبات المناسف الدسمة والحكي المبعثر ، وهل ثمة مؤتمر واحد عقد من قبل شكل انفراجة تاريخية في سيرورة الدولة، إن النصيحة لأصحاب القرار تتلخص في ترسيخ منهج انتخابات تمثل الغالبية ليس في النقابات المهنية والبلدية ومجلس النواب القبلي الصوري فحسب بل في انتخاب رئيس الوزراء صاحب الولاية العامة ومجلس الأعيان، انتخابات تعبر عن هموم الأردنيين ليكونوا هم من يتحمل نتائج الاختيار وتبعات المسؤولية بعيدا عن مؤتمرات احتفالية شكلية تعقد في قاعات مكيفة لا يسمع صوتها لكثرة الضجيج والنوايا المتناقضة، ثم يزعم أنه حوار وطني، إن قراءة مثل تلك البيانات تذكر بالمقولة الخالدة الساخرة ” آن لأبي حنيفة أن يمدَّ رجلَه” وقد مدّها .

أستاذ الأدب العربي بجامعة مؤتة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى