“إن الجماهير هي القوة الحقيقية، والسلطة بغير الجماهير هي مجرد تسلط معاد لجوهر الحقيقة” (جمال عبدالناصر)
وبعيدا يا صديقي عن جو الحكايات والقصص؛ فإن أول ما تذكرته عندما قرأت عن خبر اعتصام سائقي التكاسي احتجاجاً على رفع أسعار المشتقات النفطية؛ إن أول ما تذكرته هو معاناتي مع “شوفيرية” التكاسي الذين احتككت بالكثير منهم في إجازتي الأخيرة للأردن، حيث تحولتُ من مغترب يحاول سرقةبعض الساعات المرتاحة، إلى متسوّل في بادئ الأمر، كنت أقول للشوفير منهم : “برحمة أبوك ع الداخلية” أو “صاحبي ع جسر عبدون بده ينتحر، قوم خنلحقه” ” وفي بعض الأحيان أوقفه وأقفز إلى داخل جانبه : “إذا ما بتاخذني ع إشارة الدوريات لأفجر حالي”.
كما أني دخلت في مرّة “التكسي” لاهثا : “استر علي يستر عليك” وعندما استفسر عن الأمر، قلت له ما جاد به خيالي من حكايات كاذبة بقصد استمالته لإيصالي، صحيح أن الأمر لم يفلح، فهيئتي وسلامة وجهي، وملابسي، لم تكن أمور تشي بأني “فالْ” من ثنين “سرسريه” أو أني أحمل في جيب قميصي ” شريطين ترامادول وكبتاجون”. بطبيعة الحال لم تنطلي عليه، ولم يوصلني، لكن على الأقل أخرجني من منطقة الأزمة وصار بإمكاني إكمال طريقي “كعّابي”، والتمتع بقراءة واجهات المحال التجارية.
ما علينا، وحين انكَشَفَتْ على النظام، أقصد على “سائق” التكسي كل محاولات الركاب أمثالي للظفر بتوصيلة، تغيرت قواعد اللعبة، فصار للشوفير مزية انتخاب الراكب؛ وليس العكس. “أشرّت مرّة لتاكسي وحين توقف بمواجهة راكب آخر قلت له : “أنا أشّرتلك أول” قال : “بس أنا بدي أوصله هو”.. أنتهى. ومن هنا يمكننا القول أن الشارع الأردني بدّل مواقفه، وصار بإمكان السيارات المشي على الرصيف المخصص للمارة الساخطين الساكتين والذين بدورهم “يقزدرون” على الأسفلت حفاة..
ليس هذا وحسب، الأمر تجاوز المعادلة الطبيعية التي تحكم العلاقة بين الراكب والشوفير.. سمعت في مرّة حاجة ورضيع على ذراعها تتوسل إلى السائق أن يوصلها إلى مكان ما، قال “بعيدة ومقطوعة يا حجة، برجع فاظي..” ولما ألحّت عليه تذمّر وقال لها : “الحق عليكو؛ مين قال تسكني غاد ؟”
ما علينا، كان يمكنني تفهم الطبيعة التي جرفت سائق التكسي إلى هذا التعالي، وهو من هو في باقي البلدان التي يحترم فيها النظام شعبه ويحترموه، وهو الذي كان يستجدي الركاب في أيام الشتاء، “الداخلية يا معلم..؟” “الرابع يا صبية..؟” كان يمكنني فهم هذا التغير العجيب في شخصية السائق خصوصاً بعدما تراخى الركاب في تحجيمه؛ وصاروا يعطونه على مضض؛ وبرضا مفتعل، “دينار” فوق العدّاد، أو يكتفون بإيصاله لهم “ع الجهة الثانية” أو “أول الطلعة” أو “بعد الإشارة”.. إلخ
لكن ما لا يمكنني فهمه فعلا في الفترة القريبة؛ هو مالذي جعل “التكاسي” هكذا “فاضية ما معاها حد” وفي ذات الوقت ترى الشوارع مكتظة بالمارّة الذين ينتظرون توصيلة واحدة إلى بر الأمان..
“الزبده” عزيزي المواطن، عزيزتي المواطنة: الحل في النقل الجماعي أيها الشعب الأردني العظيم.. فبغير اتحادنا وانحيازنا لوجهة الوطن فلسوف نكون نهبة لسائق التكسي صاحب السلطة المطلقة، ولن نحصل على مطالبنا العادلة والمشروعة، وحقنا الطبيعي في اختيار وجهتنا..!
أخوكم راكب كريم من زمرة الأعلون
أقول قولي هذا..
