منع الاستيراد من سوريّا.. مصلحة وطنيّة

منع الاستيراد من سوريّا .. مصلحة وطنيّة
سلامة الدرعاوي

من يصدق أن صادرات المملكة الوطنيّة لسوريّا تراجعت في الشهرين الأوليين من هذا العام بنسبة 69 بالمئة، في حين نمت مستوردات الأردن من دمشق بأكثر من 50 بالمئة، متجاوزة 59 مليون دينار.

أرقام مُخيفة في مستوردات المملكة من سوريا التي قامت منذ شهر كانون أول الماضيّ بوضع عقبات رسميّة على أيّة سِلع مستوردة من الأردن، في حين بقيت المملكة تُطالب وتناشد أن تُفتح الحدود وتكون المعاملة بالمثل وإزالة العقبات التي تحول دون انسياب السلع الاردنيّة إلى دمشق.

دخول السلع السوريّة إلى الأسواق المحليّة دون أيّة رسوم جمركيّة بموجب اتفاقيّة التجارة الحرة العربيّة أدى إلى ضربة مباشرة للقطاع الصناعيّ الأردنيّ الذي تأثرت تنافسيته بشكل كبير من التدفق الهائل للسلع السوريّة للسوق الأردنيّة مقابل منع صادراته إلى دمشق بقرار رسميّ وتحت حجج مختلفة.

مقالات ذات صلة

أمام هذه الحالة ونتيجة مُطالبة الصناعيين الأردنيين الحكومة ومناشدتهم إياها لحمايّة منتجاتهم من الإغراق السوريّ التي تتمتع بدعم كبير من حكومتهم، جعلها تمتك ميزة تنافسيّة عاليّة نتيجة انخفاض كُلف الإنتاج بشكل كبير.

هنا جاء قرار الحكومة ممثلة بوزارة الصناعة والتجارة وإن كان مُتأخراً بعض الشيء بمنع استيراد 194 سلعة سوريّة فيه مصلحة وطنيّة عُليّا بحماية القطاع الصناعيّ من تنافسيّة غير مشروعة على الإطلاق، وتطبيقا لمبدأ المعاملة بالمثل في الاتفاقيات التجاريّة المُطبقة في الاتفاقيات الاقتصاديّة بين الدول.

قرار حظر الاستيراد من سوريّا كونه مصلحة وطنيّة هو أيضا ضرورة مُلحة لقيام الحكومة بمواصلة مراجعاتها وتقييمها للاتفاقيات التجاريّة الحرة التي اثبت الكثير منها أن هُناك ضرراً لحق بقطاعات اقتصاديّة عديدة في الأردن وعلى رأسها القطاع الصناعيّ الذي دائماً ينادي بتطبيق مبدأ المعاملة بالمثل.

الأرقام تتحدث بوضوح عن تداعيات الاتفاقيات على الاقتصاد الوطنيّ من حيث الارتفاع المُستمر في حركة الاستيراد والتي بتنا اليوم نستورد ما يقارب 95 بالمئة من احتياجاتنا من الخارج، فيما ارتفع العجز التجاريّ إلى أكثر من 4.5 مليار دينار.

في الحقيقة أن الصناعة الوطنيّة كانت على الدوام ضحيّة السياسة الرسميّة، فالسياسيات الاقتصاديّة كانت في حالة هلع نحو الانضمام إلى الاتفاقيات الدوليّة دون التخطيط المسبق لتقوية الجبهة الاقتصاديّة الداخليّة، وهنا اقصد ليس القطاع الماليّ أنّما القطاع الصناعيّ الذي يعتبر مؤشرا حقيقيّا على مدى تطور العمليّة التنمويّة في أيّ بلد.

في اشهر قليلة وجدت الصناعات الوطنيّة نفسها في مجابهة وجهاً لوجه مع نظيراتها الأجنبيّة والعربيّة معاً، وجزء كبير من تلك السلع يَتَلقى دعماً كبيراً من حكوماتها، استطاعت في النهاية أن تعتمد على نفسها بعد أن استفادت من ذلك الدعم في تأهيل منتجاتها وتخفيض كُلّفها وزيادة خططها وقدراتها التسويقيّة، والاستعانة بحماية حكوميّة غير مباشرة في بعض الأحيان مكّنتها من اختراق أسواق المستهلكين.

صناعتنا الوطنيّة لا تخرج من مصيبة إلا وتقع في أخرى، فبعد سنين طويلة من اعتمادها على السوق العراقيّة التقليديّة وجدت نفسها في مواجهة سلع أكثر جودة منها في زمن قياسيّ، ثم بدأت كُلف الإنتاج بالتزايد التدريجيّ بسبب ارتفاع فاتورة الطاقة، التي وصلت نسبتها في بعض الصناعات إلى أكثر من 40 بالمئة من كُلّف الإنتاج، وما أن اعتادت على هذا المناخ حتى بدأت تداعيات الأزمة الماليّة العالميّة تُحيط بآفاقها وتحدّ من استمراريتها بعد أن نضبت مصادر السيولة الماليّة، وأخذت البنوك تتشدد في منح التسهيلات، بعدها بدأت الأزمة السياسيّة في المنطقة تحدّ من صادراتها التقليديّة إلى أسواق الجِوار.

الأكثر غرابة في ذلك انه رغم جميع ما حدث في السابق من تحديات وهي مستمرة إلى يومنا هذا بقيت اتفاقيات التجارة العالميّة والحرة والشراكة على حالها لم تتغير وكأنها نصوص جامدة غير قابلة للتعديل أو التغيير، علماً أن الكثير من الدول حصلت على استثناءات هامة لِصالح صادراتها وصناعاتها الوطنيّة من المؤسسات العالميّة المسؤولة عن تلك الاتفاقيات.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى