حكومات الأسلاك الصدئة

#حكومات #الأسلاك_الصدئة / #يوسف_غيشان

ترى ، ما هو نوع العلاقة التي ربطت المخترع العبقري توماس اديسون بالعسكري الإنجليزي كلوب باشا (حصّتنا)؟
بعد أكثر من ألف تجربة فاشلة وصل الشاب أديسون الى الحل، وابتكر المصباح الكهربائي،ليدخلنا جميعا في عصر بشري جديد ، حيث انقضى عصر الظلام الذي لم نكن نرى فيه سوى الأشباح وهي تتراقص على ضو النار أو الفانوس التقليدي ، الى عصر الكهرباء حيث كل شئ صار واضحا مثل الظهيرة. وقد قال صاحبنا أديسون حول ذلك ما معناه أنه لم يقم بالف تجربة فاشلة، بل عرف ألف طريقة لا يمكن بواسطتها إضاءة المصباح.
كانت نظرية استبعاد الطرق والوسائل الخاطئة إحدى الوسائل العلمية للوصول الى الحلول الصحيحة ، وما تزال ، الا أن الدول العربية لم تعتمدها حتى الان ، ربما لأن المستعمر كان، في السابق يكرهها، لأنه كان يعرف أنها الطريقة الصحيحة والوحيدة لطردة من البلاد، وصارت الحكومات العربية تكرهها لأنها تؤدي الى ذات الهدف.
إذا تناقل الإستعمار بأشكاله، كرهه لنظرية الإستبعاد، وحملناه نحن جيلا بعد جيل في الإدارات المتعربنة، التي ما تزال تحرس بلاطة كلوب المعروفة، حتى بعد أن تحولت عظام كلوب الى مكاحل.
كم من مسؤول كبير اثبت فشله التام في ادارة مؤسسته او دائرته ، لا بل أن رائحة الفساد كانت تفوح منه، فقامت ادارات كلوب بنقلة الى مركز اخر اكثر اهمية وحساسية .
ما هي بلاطة كلوب؟
كان كلوب باشا الإنجليزي قائدا للجيش العربي الأردني حتى عام 1956، وقد ذهب ذات يوم لزيارة أحد مواقع الجيش في عمق الصحراء ، فأوصى بأن يصنعوا له بلاطة اسمنتية عالية قليلا حتى يقف عليها ليخاطب الفرقة ويراه الجميع ، ولأنه لم يكن يثق بالعرب ،فقد أوصى أن تصب البلاطة ثم أن يضعوا بجانبها حارسا يمنع الأخرين من المرور فوقها أو طباعة أيديهم عليها.وقد تم الأمر وحصلت الزيارة .
بعد أكثر من ربع قرن لاحظ أحد ضباط الجيش الاردني الجدد أن هناك وضيفة لعسكري يقف بعيدا في الصحراء خارج المعسكر ، فسأل عنها ، فلم يعرف احد سوى أن عليهم ارسال عسكري لتلك المنطقة ، وبعد الفحص والتمحيص تبين أنها في ذات المكان الذي وضع عنده كلوب باشا العسكري حتى يحرس البلاطة لعدة ساعات ، ومع مرور الزمن تغير مكان المعسكر وصارت الوظيفة خارجه ، لكنها استمرت لربع قرن كامل.
أما نحن في العالم العربي ، فوظيفة كلوب باشا لم تنته بعد، وما زلنا نقف بتاهب في عمق الصحراء ، ونبتعد عن الأماكن التي ينبغي حراستها.
إنها ذات عقلية بلاطة كلوب باشا، تحكما وتتحكم بنا ، حتى بعد زوال البلاطة والوظيفة !!
نعود الى صديقنا اديسون!
تخيلوا لو أنه توقف عند إحدى تجاربه الفاشلة ، كأن يصر على إشعال المصباح الكهربائي بواسطة سلكين حديديين صدئين …لكان ما ابتكر شيئا ، وتحول الى مضحكة للعالم ، ولكانت البشرية انتظرت عقودا اخرى غارقة في دياجير الظلام
، حتى تصل الى النور، مع عالم آخر يستبعد التجارب الخاطئة، ويبدأ من جديد !!
تخيلوا الحكومات العربية ما تزال واقفة ومصرة على إضاءة الوطن بالأسلاك الصدئة!!
أعتذر منكم ..لا تتخيلوا …هذا هو الواقع تماما!!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى