.غبار الذهب

[review]
الثلاثاء 16-6-2009لست مخيّراً في الكتابة..رغماً عني أشتمّ رائحة القشّ، فيكتبني الحصاد. في كل صيف..تثور الطقوس في ذاكرتي مثل زوبعة تحجل اليّ بساق واحدة..تحتك بجدران الدماغ، كاحتكاك المناجل برقاب السنابل، فتصيبني نوبة من حداء الماضي الجميل وأصبح فجأة هناك..في مساءات حزيران كان صوت الجرار مثل مسحراتي عجوز يوقظ الدويرات من ثقوب الطوب، تفرّ جميعها فزعة فرحة بقدوم الذهب..ثم ترتوي من سكينة عجيبة، فور تباطؤ لهاث التراكتور..أمام بوابتنا الكبيرة وبالتزامن مع فتح صندوق الجرار كانت تتأهب الغرابيل، وتهتز في حيطان الطين مسلاّت الخياطة، وتتنفس الأكياس المتقاعدة والمهترئة، حتى قبائل السنونو كانت تتحلّق فوق صحن الدار..جميعهم بانتظار القمح المغترب تسعة شهور، والمحمول في بطن الأرض تسعة شهور ايضا.. بينما تصرّ عصافير السهل أجنحتها الى بطونها بطريقة وداعية للقمح العائد الى مخازنه..وتطير حزينة عائدة حيث أتت..يقفز ابي وبعض العمال النزقين المنهكين..ينزلون الشوالات الكاملة على ظهورهم ،والناقص منها على بطونهم، فتكتمل بهذه الحركة اللا إرادية دورة الحياة، حمل الأصلاب والأرحام..وقتها كنت كائناً حصادياً، افرح، أحلق، اغرّد، أتواجد ، اتبعثر ..في افعال لا أدركها ..كنت أراقب بعض الحمائم البرية وهي تلتقط في فسحة التنزيل حبيبات من القمح المنثور على درب الحصادين..تخبىء الحَبّ الطازج في حوصلتها وتطير الى مكان قريب، حتى يرجع العمال من صدر الدار الى البوابة ..امدّ يدي الى بطون الأكياس، فاكتشف أن حرارة الشمس لم تزل حية في حبات القمح وفي صفحات ظهور المتعبين..كنت أقفز فرحاً للصيف ،منشدّاً الى غبار الذهب الذي علق برموش ابي وبشاربه الأبيض..حافظاً عن ظهر درب صوته المفروش على التعب..الغربيات هون: كان يقول للعمال فيفصلون بين محصول الأرض الغربية عن غيرها ..فتنزل أكياس مكتوب عليها بخط برّي حرف غ…ثم يوسع صدر الدار الى ضيف آخر يشير بيده إليهم قائلاً: القبليّات هون.. فتنزل شوالات مكتنزة مكتوبة بخط مرتجف ق..في الصباح نصحو قبل الشمس..نركض نحو المحصول لنرى تقاسيم وجه ذلك الضيف النائم..(القمح)..** ربع قرن من الذاكرة الطرية ، ربع قرن وانا أكتب ولا أزرع يا أبتي .. انت في ذمة الله، والشاعوب تبنّته المتاحف، والمذراة اداة فلكلورية في ايدي الراقصين..فلا تعجب ان صار الرغيف حلماً…ahmedalzoubi@hotmail.comأحمد حسن الزعبي

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى