حرب التحرير الشعبية في شبه القارة الهندية / مهند ابو فلاح

مهند أبو فلاح

لا تحظى المواجهات المسلحة الدامية بين قوات الأمن الهندية و الثوار الماويين الدائرة منذ أكثر من نصف قرن بكثير من الاهتمام في الوطن العربي ، رغم الصلات الوثيقة التي ربطت الأمة العربية تاريخيا بالهند ، فكثير من السلع الهندية المنشأ كانت تجد طريقها إلى الأسواق العربية كالحسام المهندِ ( السيف القاطع البتار ) الذي أصبح مصدر اعتزاز لفرسان العرب الاشاوس منذ عصر ما قبل البعثة ( الجاهلية ) و رمزا من رموز الشجاعة و الفروسية ، ناهيك عن الارقام المتداولة اليوم لدينا ( ١، ٢ ، ٣ ………. إلخ ) و التي استقيناها أيضا من الهند في زمن دولة الخلافة الاموية ناهيك عن أن بعض الجماعات الدينية الناشطة لدينا كجماعة التبليغ و الدعوة مثلا تأسست في الهند أيضا بين أوساط الأقلية المسلمة كبيرة العدد و التي يتجاوز عددها الثلاثمائة مليون نسمة .

التركيز على أوضاع الأقلية المسلمة في الهند التي تتركز في شمال غرب تلك البلاد يبدو أمرا طبيعيا هنا في الوطن العربي الكبير نظرا للروابط الإيمانية و العقائدية التي تربطنا بأخوة الاسلام هناك و في ظل ما تتعرض له من انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان و اضطهاد على يد أجهزة الأمن الحكومية التي تسيطر عليها الأغلبية الهندوسية خاصة في ظل حكم حزب بهاراتيا جاناتا دال المتطرف ، لكن تجاهل التمرد المسلح الماوي اليساري الاكثر تهديدا لاستقرار النظام الحاكم في نيودلهي من قبل النخب المثقفة العربية يبدو أمرا غير مفهوم و لا مبرر .

التمرد المسلح الماوي الذي يعود تاريخه إلى العام ١٩٦٧ و الذي يخوض غماره ثوار هنود متأثرين بأفكار الزعيم الصيني ماوتسي تونج يمتد إلى رقعة جغرافية كبيرة من الأراضي الهندية إذ يشمل أكثر من نصف ولايات البلاد و يستنزف قوات الأمن الهندية التي تعاني الأمرين من الهجمات المتكررة للمقاتلين اليساريين الذي يبسطون هيمنتهم على كثير من القرى في الأرياف و الغابات و الادغال و يمارسون من هناك مباديء حرب التحرير الشعبية في بيئة مؤيدة لهم على الغالب الأعم .

البيئة الريفية في المجتمع الهندوسي و التي يشكل الفقراء و المهمشون الأغلبية الساحقة فيها لا تقدم الدعم اللوجستي فحسب لهؤلاء الثوار اليساريين ، بل أيضا ترفدهم بالرجال في مواجهة سلطة قمعية ذات نزعة طبقية برجوازية تمارس الإقصاء و التهميش بحق الكادحين المسحوقين ، مما يوفر لهؤلاء الثوار إمكانية السيطرة على العديد من الولايات الهندية و نصب الكمائن لعناصر الأجهزة الأمنية الهندية و المتعاونين معها في مناطق تكسوها الأشجار و الغابات الكثيفة ، و بالرغم من ذلك يواجه هؤلاء المقاتلون الأشداء مصاعب جمة في مد تمردهم الى مدن البلاد الرئيسة كبومباي ونيودلهي و كالكوتا في ظل افتقارهم إلى الدعم الواسع النطاق هناك حيث يمارس حكام نيودلهي سياسة في غاية الخبث و الدهاء .

لقد مارس حكام نيودلهي في ظل حكم حزب بهاراتيا جاناتا دال سياسة تقوم على بث الفرقة الطائفية و الدينية بين مكونات المجتمع الهندي بطريقة شعبوية قذرة تقوم بتحريض الأغلبية الهندوسية على الأقلية المسلمة لمنع اندلاع النزاع الطبقي في مدن البلاد الكبرى و إضفاء صبغة دينية على الصراع المجتمعي بدلا من ذلك لصرف أنظار الغالبية الساحقة الكادحة عن مساويء و عورات النظام الرأسمالي الليبرالي المتوحش الحاكم في الهند .

إن استراتيجية السلطات الهندية للحد من نفوذ الثوار الماويين في جنوب البلاد و شرقها و وسطها لم تقتصر على منع تمددهم باتجاه المدن الرئيسة و المناطق الشمالية الغربية منها بل تضمنت عملا خطيرا يؤثر على البيئة المحلية و المناخ حيث أطلقت العنان لعملية قطع أشجار الغابات الكثيفة من قبل الشركات الكبرى المحلية منها و الأجنبية بحجة التنقيب عن مصادر الثروة المعدنية ، إضافة إلى إطلاق حملة إعلامية دعائية مكثفة مضللة عن تلقي هؤلاء الثوار دعما خارجيا من الصين و الباكستان و هو أمر لا يعدو كونه هرطقة إعلامية كاذبة لذر الرماد في أعين الرأي العام الهندي و تأليب السكان المحليين على الثوار الماويين الذين يستمدون دعمهم بالمقام الاول من أهالي تلك المناطق الريفية المسحوقة المهمشة .

الحقيقة التي لا شك فيها هي أن النظام الحاكم في نيودلهي يواجه تهديدا حقيقيا و خطرا جديا على مستقبله من هؤلاء الثوار المتمرسين في حرب العصابات على غرار ما حدث مع النظام الملكي الحاكم في نيبال المجاورة حيث تمكن نظراؤهم الماويون من الإطاحة بالنظام الحاكم هناك و السيطرة على مقاليد الحكم و الامساك بزمام السلطة في العاصمة كاتماندو بعد صراع مسلح مرير و عبر صناديق الاقتراع في نهاية المطاف ، و هو الأمر الذي أعطى جرعة معنوية قوية للثوار الماويين في الهند بأن ثورتهم الشعبية المسلحة ستتوج بالانتصار في نهاية المطاف مهما طال المشوار و عظمت التضحيات .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى