حدوث زلزال بسبب قصف غزة مستبعد جدا

حدوث #زلزال بسبب #قصف_غزة مستبعد جدا
بقلم فراس الور


لا شك انها كميات ضخمة من المتفجرات، و أُلْقِيَتْ على قطاع غزة خلال الأربعة اسابيع الماضية، فمن خمسة ايام طالعتنا اخبار بالمواقع الأخبارية تفيد ان غزة قصفت بما يعادل 25 كيلوطن من المتفجرات، و للذي لا يعرف حجم هذه الأرقام الكبيرة فهي تعادل 25 الف طن من المتفجرات او 25 مليون كيلوغرام من المتفجرات، و للوهلة الأولة وقفتُ متحيرا بأمرها فإنها تعادل بحقيقة قوة التدمير قنبلتين ذريتين من اللائي تم القائهم على هيروشيما و ناجازاكي بالحرب العالمية الثانية، فالأردن ممر لتصدع طويل يصل طوله الى ألف كيلو يبدأ من جنوب غرب تركيا بأناتلوليا و يعبر بالبحر الميت ثم يلاقي البحر الاحمر بجنوب المملكة، فراودنا كمتابعين لهذه الأحداث المؤسفة سؤال مهم، هل نحن بمأمن عن تأثير هذا القصف العنيف على هذه التصدعات؟ هل يمكن لهذا القصف العنيف ان يحرك هذه التصدعات العظيمة التي تتلاقى عندها الصفائح التكتونية؟ 

الجواب هو على المضمون لا، و ما طالعنا به العالم الهولندي هوغربيتس من ان هذا القصف العنيف سيلقي بظلاله على هذه التصدعات هو غير دقيق، فمرور سريع على الخلفيات العلمية لهذا الأمر سيبين ان قشرة الأرض هي يبس يؤلف القارات العالمية كافة و اليبس من تحت الماء، و في القطبين الشمالي و الجنوبي تكسيهما الثلوج الكثيفة، و اليبس كيان ثقيل جدا لا يؤثر به اي امر بسهولة، و يسمى اليبس المنقسم باللغة العلمية صفائح تكتونية، و لتوضيح الأمر أكثر اذا نظرنا الى خارطة علمية لتوزيع الصفائح التكتونية  (اليبس) فسنرى ان قشرة الأرض تتقسم بصورة كتل كبيرة تلتقي كلها في اماكن تسمى مناطق تصدعات، و التصدعات كثيرة و تنتشر حول الكرة الأرضية، و يختلف تضاريس هذه التصدعات بحسب طبيعة تحرك الصفائح و احتكاكها ببعض، فعلى سبيل المثال لا الحصر قارة أمريكيا الجنوبية هي صفيحة تكتونية بمفردها، و يلتقي جزءا منها عند صفيحة تكتونية تحمل جزءا من المحيط الهادئ تسمى  نازكا، و يحدث بهذه المنطقة زلازل عنيفة منذ عتقية الزمن، و قد تلاقت هذه الصفائح العظيمة عبر ملايين من السنين بالماضي و تَسَبًبًتْ نقطات تلاقيها بدفع جزء من اليبس الى الأعلى مشكلة سلسلة جبال الأنديز العظيمة على الحدود الغربية لهذه القارة، و لعل هذا حدث لأن التقاء صفيحة نازكا منذ ملايين من السنين مع صفيحة امريكا الجنوبية تسبب بإنحدار قشرة نازكا الشرقية رويدا رويدا نحو باطن الأرض تحت قشرة صفيحة امريكيا الجنوبية، و اسم هذه العملية بالأنجليزية  subduction،* كما اسلفت هذا حدث عبر ملايين من السنين لتروا كم ان تحرك هذه الصفائح بطيئ و لكن قوي و لا ينتج الا عن طريق ضغوطات هائلة في باطن الارض،ارجو العلم ان هنالك اربعة انواع من التصدعات، و الذي شرحنا عنه سالفا عو نوع واحد منها، 
*
و تتلاقى و تحتك مع بعض هذه الصفائح عند حدود التصدعات بسبب ضغوط ضخمة في باطن الأرض من الحمم الملتهبة التي لا تزال تستعر منذ مليارات السنين…منذ اللحظات الأولى لتكوين الأرض، فهذه الحمم الملتهبة تتأرجح حرارتها بسبب عدة عوامل بيئية خاصة بها، و لكن تترواح بحسب مقالات في مجلة ناشونال جيغرافك العلمية بين 4400 مؤي و 6000 مؤي، درجات ضخمة تصهر كل شيئ في قلبها، و لذلك نرى البراكين تقذف محتواها الملتهب من حين لآخر بسبب الضغوطات التي تخترق طريقها الى الأعلى بسبب الضغط الهائل و تخرج من فوهاتها العملاقة، و لعل اشكالها المخروطية  cone shapeفي بعض الأحيان و التي ترتفع ايضا الى الأعلى و بعلو شاهق تشكلت عبر ألوف او ملايين من السنين بسبب الضغوطات الهائلة التي ترافق تدفق هذه الحمم الملتهبة، و هذه البراكين ليست موجودة على اليبس فقط، بل موجودة ايضا في اعماق البحار، و كما اسلفنا هذه الضغوطات الضخمة ايضا هي من تحرك الصفائح لتلحم مع بعض من حين لآخر، فترتفع الطاقة المختزنة بها و تتعاظم عند خطوط التصدعات بسبب حركاتها على مر ربما مئات او آلاف السنين الى درجات كبيرة، ففجأة عند هذه الضغوطات المتراكمة تحتك مع بعضها البعض و بناءا على نوع التصدع، و هنا يحدث الزلزال، و يتم تقريغ طاقتها، 

الطاقات التي تختزن نتيجة هذه الظروف ليست بقليلة و غالبا تحتاج الى أوقات زمنية طويلة جدا لتحدث، و تختلف ظروف التصدعات و التقاءها مع بعض، فهنالك اماكن يصنفها العلم ان وتيرة حدوث الزلزال بها نسبته اكبر من غيرها، و لكن هذا لا يعني ان الزلزال امر يمكن التنبؤ به اطلاقا او التكهن به، و لكن يقول العلم ان هناك اماكن يكثر بها الزلازل لأنه درس تاريخها منذ نشأت هذه الظواهر الذي يمتد الى ملايين عابرة من السنين، ليقول و يحدد بصورة عامة ان هنالك اماكن وتيرة الزلازل بها اكبر من غيرها، و لم يتم تحديد هذا الأمر بناءا على تاريخ الإنسان المعاصر، لان فترة وجودنا كبشر على هذا الكوكب حديث جدا، فيقدر العلماء على سبيل المثال لا الحصر ان عمر الكرة الأرضية التقريبي هو 5 مليارات سنة، و عمرنا كبشر لا يتعدى عليه 300 ألف سنة، فهنالك تاريخ كبير لظروف نشأت هذا الكوكب القى العلم الضوء عليه و حاول دراسته و نجح بكشف الكثير عن مكنوناته الشبه ازلية، 

فإذا نصل الى نتيجة، ان هذه التصدعات او اماكن التقاء الصفائح مع بعض لا تتحرك من اية ضغوطات عابرة، الا بسبب الضغوطات الهائلة في باطن الأرض، و لكن مؤخرا تصاعدت التساؤلات حوال طبيعة النشاط العمراني و الصناعي للبشر اذا هو عامل مساهم بهذه الزلازل، و هنالك العديد من المقالات التي تتحدث عن هذا الأمر، فيحاولون دراسة الطبيعة الصناعية و العمرانية للبشر و انعكاساتها على هذه التصدعات، و لكن مع الأسف كلها نظريات لم يستطع العلم الإثبات منها الا القليل، و بشهادة اكبر العلماء الذين يطرحون هذه النظريات للرأي العام للنقاش فقط، فتحتاج الى الكثير و الكثير من البحث العلمي الممنهج لإثبات صحتها، الشيئ الوحيد الشبه مؤكد هو ان إلقاء السوائل و المخلفات الصناعية بكميات كبيرة ببعض بلدان العالم الصناعية بأمكان قريبة منها يمكن ان يكون له اثار سلبية على هذه التصدعات و على قشرة الأرض، وجود سدود بأعداد ضخمة جدا كالتي نراها في تركيا و التي اتبعتها لحل جزءا من مشاكل المياه التي تعاني منها قد يكون (و هو غير مؤكد علميا) عامل فاعل في التأثير على اية تصدعات تمر بقشرتها الأرضية، وجود اعدادا كبيرة من المناجم و بصورة غير مدروسة تنتشر في اكثر من بلد بالقارة الأفريقية قد يكون له اثار سلبية على قشرة الأرض و اية تصدعات تمر بهذه القارة، و لكن كما اسلفت ليس هنالك امور تم تاكيدها بصورة قطعية و علمية، فيبدو لي ان هذه التكهنات تسبق اية اثباتات علمية مؤكدة لغاية هذه اللحظة، 

و ناتي هنا على امر في غاية الأهمية، و هو مخاوف تبادرت الى ذهن من يتابع القصف العنيف في غزة، هل له تأثير على اية تصدعات بالمنطقة؟ الجواب هو لا، فالعلم هنا طرح فيصل مهم على هذه القضية، الإنفجار الوحيد الذي يمكن ان يكون له اثر سلبي و يتسبب بإهتزازات محدودة في قشرة الأرض هو انفجارات قوية و ضخمة جدا تفجر فجأة، و اكبرها هي الإنفجارات النووية، و هذه الإنفجارات تكون بدرجات متفاوتة بناءا على قوة القنلبة، و على مر السنين السالفة اثبتت التجارب انه ينتج عن هذه الإنفجارات اضرار بيئية ضخمة، و قبل سنة 1996 كانت هذه التجارب لتفجير القنابل النووية تجري فوق و داخل باطن الارض معاً، مما اثبت ان انفجارها قد يسبب اهتزازات قشربة محدودة و لكن واضحة، و عند انفجار هذه القنابل ينتج عنها كمية طاقة تدميرية ضخمة تتفرغ بالبيئة المحيطة بها، و غالبا ما يكون تأثيرها اكبر بسنبة معينة في باطن الأرض مقارنة من فوق الأرض حيث تتفرغ كل طاقاتها التدميرة في داخل القشرة الارضية، و لذلك مع مرور السنين منعت هذه التجارب تجنبا للإهتزازات التي تحدثها في اليبس و تجنبا للأضرار البيئية، و لكي تتجنب الإنسانية اية عواقب مسقتبلية سيئة على البيئة، 

و للذي يسأل ما حدث في انجبار مرفأ بيروت الشهير منذ بضعة سنين، و لماذا تسبب بزلزال رصدته اجهزة الرصد بالمنطقة حيث تسبب باهتزاز ضعيف قوته على مقياس رختر 3.3 في لبنان و بعض البلدان من حولها؟ ثبت من تقيم حيثيات هذا الإنفجار ان السبب كان انفجار كميات ضخمة من نيترات السوديوم بنفس اللحظة و التي تم تخزينها في المرفأ بصورة خطرة جدا، و كانت الكمية المعلنة من قبل السلطات اللبنانية التي تفجرت نتيجة خطأ بشري تعادل 2700 طن اي ما يعادل كقوة تدميرية 1800 طن من مادة ال تي ان تي، و تفجرت بنفس اللحظة مما ادى الى اهتزاز بقشرة الأرض شعرت به دول الجوار، و الجدير بالذكر ان هذا الأنفجار لم يُحْدِثْ الا اهتزاز ضعيف مقياسه 3.3 لأنه انفجر فوق الأرض، فجزء من طاقة الإنفجار انطلقت بالهواء و لم تتفرغ في قشرة الأرض، فلذلك نتج عنه اهتزاز ضعيف، فلا سمح الله لو انفجرت هذه الكيمة داخل الأرض في ظروف معينة لكان الإهتزاز اقوى، 

التجارب النووية منعت بالقانون الدولي في عام 1996، و هذه الإنفجارات الضخمة كإنفجار مرفأ بيروت قليلة الحدوث و لا تتكرر كثيرا و حيثيات حدوثها نادرة الوجود، فإذاً نصل الى نتيجة انه إن لم تنفجر قنبلة نووية او كميات ضخمة من المتفجرات بنفس اللحظة لن يكون لها تثيرا على قشرة الأرض، القصف على غزة لن يكون مؤثر على اية تصدعات بالمنطقة، فهذه الكميات الكبيرة من المتفجرات لم تُفَجًرْ دفعة واحدة او على دفعتين لتسبب الإهتزازات، فهي نفذت على مدى اسابيع، و لتحليل الموقف الذي بين يدينا اكثر سألت دكتور اردني شهير بعلم الزلازل عن هذا الأمر، فاستعبد حدوث هذا الأمر، و قال لي ان للزلازل حسبة ثانية مختلفة عن طبيعة ما قد يسببه القصف المؤسف على غزة، و دفعني هذا الأمر لمراسلة على الإيميل خبير في الزلازل يسكن في باريس في فرنسا، و شرحت له حيثيات ما يجري من قصف شديد في غزة، و اعطيته ايجازا تذكيريا بطبيعة التصدعات بالمنطقة و مسافة غزة عن منطقة تصدعات البحر الميت، فأجاب برسالة مفادها انه يستبعد ان ينتج عن القصف زلزال حيث من الصعب جدا الربط ما بين النشاط الإنساني و الزلازل معا، و اضاف ان غزة تبعد عن البحر الميت 100 كليومتر و ليست حتى قريبة من التصدعات، و اوضح ان الإنفجارات في غزة وقعت فوق الأرض و لم تتفرغ طاقتها كلها في داخل الأرض، و قال ان كارثة مرفأ بيروت لم تحدث الا اهتزاز فقط مقياسه 3.3، اظن انه اية تبعات زلزالية لهذا القصف الهمجية هي آخر همومنا،  

هذه العلوم التي بين يدينا، انها ليست بقليلة و توضح امور كثيرة كي لا ننساق وراء الأوهام و المخاوف و الإشاعات، بل العلم يبني اساسه على اراضي صلبة من طرح النظرية ثم امتحانها بالتجارب المطلوبة و عبر سنوات من الفحص، و عند ثبوتها يتم اعتمادها، و للذي يقول عكس ذلك يكون انسان غير علمي و يبني نظرياته على الهواء من دون اساسات متينة، 
*الخريطة من موقع Research Gate  على الإنترنت،       

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى