قالوا في التطرف / فراس خير الله

قالوا في التطرف

بحكم عملي منذ سنوات في منطقتنا التي وصلت حرارتها أطراف الجحيم الملتهب، أصبحتُ بحمد الله كالملايين الأخرى ممن يسمون أنفسهم خبراء.

طُلِب مني أن أعطي محاضرة حول الأسباب الجذرية للتطرف في منطقتنا، وهو موضوع شائق وشائك. بدأت البحث عن مصادر لعلي أدعم وجهة نظري بحجج علمية مدروسة. وجدْتُ الكثير الكثير من الأسباب لهذه الظاهرة والعديد من الخبراء الذين اجتهدوا ووضعوا تقسيمات عدة، فهناك أسباب مباشرة وغير مباشرة، أسباب تتعلق بالجماعات وأخرى بالأفراد، أسباب داخلية وخارجية، وهناك أسباب فطرية وأخرى مكتسبة والتقسيم يطول ويتشعب وإليكم بعض الأسباب التي تصدرت بورصة التطرف لدينا:

هناك من يدعو لتغيير المناهج وطرق التدريس وتدريب المعلمين وتأهيل الأئمة.. ولكن هل هذا التجديد في المناهج سيملأ بطون طلابنا وأساتذتنا الجائعين؟
تارة هو الفقر والعوز الذي يدفع للتطرف والغلو، ولكن ما بال هؤلاء الأغنياء الذين زهدوا وتطرفوا؟ أولئك الذين ولدوا في غياهب الرفاهية وسعة العيش وطول اليد وقصر النظر؟.

وتارة هي أسباب اجتماعية وتفكك اسري، ولكن ما بال أولئك الذين تنعموا بين أهليهم وتطرفوا برغم حرص آبائهم على أن يكونوا مثالا يحتذى؟ أولئك الذين لم يدخلوا مدرسة أو مشفى حكومي، لم يلعبوا بشيء مستعمل، لأن أهليهم قد فنوا أعمارهم ليتنعموا هم.

وتارة أخرى يعزى التطرف إلى أسباب دينية بحتة تفقد الإنسان عقله فيصبح كالسكران، ولكن عن أي دين نتحدث؟ عن الإسلام؟ ومنذ متى يفقد الإسلام عقل صاحبه ويوقعه في التهلكة؟ أخرين يلقون باللوم على الموروث الديني المليء بالعنف والقتل وسفك الدماء، ولكن اذا كان هذا فعلا موروث فما بال آبائنا وأجدادنا قد عاشوا بسلام دون قتل أو سبي أو نحر؟ وان كان هذا الموروث هو مفتاح التطرف والعنف فماذا نقول عن الأفلام و العنف الذي يعرض في بيوتنا وشاشاتنا يوميا ابتداء من “بن تن” للأطفال مرورا بقطع الرؤوس وانتهاء بغارات الروس على سوريا؟

ثم هناك من يدعو لتغير المناهج وطرق التدريس و تدريب المعلمين و تأهيل الأئمة و…، ولكن هل هذا التجديد في المناهج سيملأ بطون طلابنا وأساتذتنا الجائعين؟ أولئك الذين لا يملكون ثمن وجبة غداء؟ يقرصهم برد الغرف الضيقة الحكومية شتاء ويقتلهم حرها صيفا؟ أما ان كان القصد هو المدارس الخاصة فكيف لنا أن نغير المناهج البريطانية والأمريكية التي تدرس لعلية القوم في عمان وبيروت والقاهرة لجيل يعيش متنعما ولا يدري بالنار التي تحرق كل ما حوله؟

الإنسان يصاب بالصداع والملل من تقديم سبب على آخر أو جمع سببين أو أكثر، ولعل أقرب ما يقرب الصورة إلى الأذهان المثل البدوي الذي يصف حالتنا اليوم، وهو برأيي سبب التطرف الأول، يقول المثل: (اذا) لا جن ربعك، عقلك ما ينفعك!
أخرين ذهبوا أن أسباب التطرف سياسية ناجمة عن انتفاء الديمقراطية أوحصرها بشخص الزعيم، ولكن أو ليس الأولى اذا الخلاص من ذلك الزعيم اذا كان هو مصدر الداء؟ أولا يعيش الغرب ديمقراطية مفرطة تعطي كل ذي حق حقه بشفافية؟ اذا ما بال أولئك الذين فروا من جنة الديمقراطية الغربية وجاؤوا لحفلة ال “باربيكيوا” عندنا؟ وما بال اولئك الذين نجحوا من الفرار من جحيم الشرق المتوحش وتنعموا بواحات الحق و النزاهة الغربية قد حزموا متاعهم من جديد وعادوا لنا اكثر إجراما ووحشية وكأننا في سباق او مسابقة عالمية في التوحش والكل مدعو لممارسة شذوذه عندنا وعلينا، أمام لجنة من محكمين تطلق الرصاص على كل مشارك يحاول النزول عن المسرح؟

تعبت من البحث والتدقيق والمقارنة و أصابني الصداع والملل من تقديم سبب على أخر أو جمع سببين أو اكثر حتى وجدت ضالتي في مثل بدوي يصف حالتنا اليوم، وهو برأي سبب التطرف الأول، يقول المثل: (اذا) لا جن ربعك….عقلك ما ينفعك!

نعم، نحن نعيش حالة من الجنون الجماعي المعدي و كل ما حاولنا إعمال العقل للبحث والتدبير للخروج من المأزق نجد نفسنا نغرق اكثر فأكثر. فلنتوقف اذا عن جنون استخدام العقل ولنطلق العنان لكل ما هو غير منطقي ولا يمت للعقل بصلة في محاولة منا لإنقاذ ما تبقى فينا من إنسانية.

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى