حتى لا تتحول #الدولة إلى #عصابة !!
د. خالد حسنين
زعيم إحدى #العصابات في أحد أحياء #عمان كان منذ سنوات مرجعا لحل #النزاعات والخلافات بين الناس، ووصل به الأمر أن يحل الخلافات بين الزوجين بناء على شكاوى تصله (غالبا من النساء) بوقوع ظلم عليها من زوجها، فيتم على الفور جلب (الظنين) من منزله (ليلا) عبر مجموعة (مسلحة) من أتباع الزعيم، ومحاكمته محاكمة ميدانية، فإن تبين للزعيم أن الظنين (مجرم) بحق زوجته، كانت تنهال عليه الصفعات (والشلاليط) من كل اتجاه، ويتم تهديده من قبل الزعيم في حال تكرار (الظلم لزوجته) أن يصفّيه جسديا في المرة القادمة.. ويذكر (شاهد عيان) أن الخلافات كانت تختفي بين الزوجين بعد ذلك، والفضل يعود بالتأكيد للقضاء (الشامخ) الذي يشرف عليه الزعيم.
مات الزعيم قنصا، مع عدد من عتاة #المجرمين معه، في فترة حكم الباشا حسين المجالي للأمن العام، وحزنت كثير من النساء (والرجال كذلك) على موته، فبالرغم من أنه كان يعمل خارج القانون، إلا أنه كان له قانون (خاص) رحيم بالناس، وقادر على استعادة حقوقهم أسرع من القضاء النظامي بكثير.
تذكرت قصة الزعيم (المجرم/الرحيم) وأنا أطالع التقرير (الرائع) للمركز الوطني لحقوق الإنسان، وبياناته المختلفة بشأن الحقوق والحريات العامة، وتسآلت في نفسي: هل هذه التقارير موجهة لدولة نيكاراغوا الشقيقة، أم هي للدولة الأردنية بموسساتها المختلفة؟ وهل هي تقارير للتثقيف الذاتي (كما قيل عن الرسائل الملكية الثمانية ذات مرّة) أم هي تقارير واجبة التنفيذ، وبتوجيه من أعلى المقامات في البلاد، وأعنى به مقام الملك الذي يستقبل التقرير وواضعيه بحفاوة بالغة كل عام.
وسؤال آخر أكثر صعوبة: عندما قمنا كمجتمع بتصنيف زعيم العصابة السابق كمجرم، لأنه يخالف القانون والدستور، لماذا نتردد كثيرا عند تصنيف العديد من الأشخاص والهيئات الرسمية بأنهم يمارسون أفعال العصابات، ويخالفون القانون والدستور علانية، وبشهادة المركز الوطني لحقوق الإنسان، ويحجزون حرية الأشخاص في سجون تابعة للدولة بدون أي سند قانوني أو دستوري، ومع ذلك نضرب لهم التحية صباح مساء، ونشكر لهم جهدهم في خدمة الوطن.
دولتنا الأردنية عمرها مائة عام، وما زالت بعض الجهات فيها تمارس أفعالا خارجة عن القانون، وكأننا نعيش في عصر ما قبل الدولة، فتحرم بعض الحزبيين المعارضين وأقاربهم (حتى الجد الخامس) من التوظيف في مؤسسات الدولة، وتجبر بعضهم على الاستقالة، وتمارس البلطجة السياسية والامنية بحق طلبة الجامعات، فتمنع إخراج الوجبة الأخيرة من المعتقلين حتى بعد موافقة محافظ العاصمة على تكفيلهم، فضلا عن عشرات الشواهد التي أوردها تقرير المركز الوطني بالأسماء والتواريخ، وما زلنا يوميا نسجل مخالفات للدستور والقانون من مؤسسات بعينها.
إذا كانت الشرعية تستمد من القوّة (بعيدا عن القانون) فلماذا نحبس الزعران والمجرمين؟ ولماذا نطلق على الشرطة والأجهزة الأمنية اسم (سلطات تنفيذ القانون)؟ علينا أن نحدد أولا، وقبل الحديث عن الاصلاح السياسي في إطاره الأوسع، هل نريد دولة حقيقية في مئويتها الثانية، أم سنمضي مائة عام أخرى “ونحن نبحث عن دولة” على رأي الاستاذ سالم الفلاحات في كتابه الأخير.