الأشقر الدجال / د. هاشم غرايبه

الأشقر الدجال

لدى معالجة حالة مرضية صعبة، يلجأ المشعوذ الدجال الى إلهاء المريض بطقوس المعالجة، فيما لا يفعل شيئا فعليا غير بعض الطلاسم والحجب، بانتظار الشفاء التلقائي أو حلول قضاء الله.
يدخل مؤتمر بحث قضايا الشرق الأوسط الذي عقدته أمريكا مؤخرا في “وارسو”، في باب هذه الخزعبلات، الذي أرادت به إبعاد العيون عن المشكلة الأساسية التي تعاني منه المنطقة وهي الكيان الإستعماري اللقيط على أرض فلسطين.
الطريف في الأمر أنه ليس هنالك من هو غائبة عنه هذه الحقيقة، ورغم ذلك لم يتخلف أحد عن حضوره وإن كان مستوى التمثيل هزيلا، ليظهر كم هي النفوس ضائقة بمثل هذه التمثيليات الممجوحة.
أما الحاضرون من العرب، فهم من كان تواجدهم هزليا، فقد كان أشبه بحضور دورة استمعوا فيها الى معلومات من المحاضرين الأمريكي والصهيوني، يعرفون مدى بعدها عن الواقع، لكنهم ملزمون بالتصفيق لها كون ذلك متطلب اجتياز الدورة الإلزامية.
كان غياب التمثيل الفلسطيني أمرا ضروريا..فما الداعي إذا كان مسبب مشكلة الشرق الأوسط هو الطبيب المداوي؟.
لكن صمت الحاضرين العرب على التزوير المفضوح، وتقبلهم لفكرة أن “إيران” هي من سبب كل تلك المشاكل، رغم علمهم اليقين بالسبب الحقيقي، لا يعتبر تغابيا، بل هو خيانة للضمير وللأمة.
لم تكن إيران في يوم الأيام بحالة صداقة أو تحالف مع العرب، لذلك من التجني على الحقيقة اعتبار أن قيام الثورة الخمينية هو من أجج الصراع والنزاع مع جيرانها، بل إن ذلك هو تحطيب في حبال الغرب وانصياع لإملاءاته أكثر مما هو انتصار للعروبة.
بغض النظر عن الإعتقاد أن قيام (الثورة) على نظام الشاه كان بدعم من الغرب (فرنسا بشكل رئيس)، أو أنه كان انتصارا لإرادة الإيرانيين برفض الحكم الشاهنشاهي المعادي لعقيدتهم، فقد تغلبت النزعة القومية (الفارسية) على النزعة الإسلامية، وتمثل ذلك بقيام نسخة إسلامية مخالفة لمنهج النبوة وهو نظام ولي الفقيه، الذي كرس الإبتعاد عن الجسم الإسلامي الأعظم (السني)، فبدلا أن يؤدى الى التقارب معه أو بالحد الأدنى تحالف مصلحة ضد العدو الإمبريالي التاريخي للإسلام وداره، فقد كان أقرب الى ذلك العدو بانخراطه في حملته الصليبية الأخيرة المسماة بالحرب على الإرهاب، فغلب المصلحة الطائفية، مستثمرا إياها لمحاولة إضعاف المعسكر الإسلامي (السني)، وتمثل ذلك عمليا في العراق وسوريا، حيث كان التنسيق مع الغرب (أمريكا والناتو وروسيا) مباشرا وتحالفيا.
هنا يبرز لدينا التناقض الظاهري في سياسة إيران (الخمينية) بين المبدأ والمصلحة، لكننا نجد التفسير عندما نرى كيف يتم التنسيق (بدل التصادم) بين التيارين الشريكين في الحكم: من يسمون الإصلاحيين، والذين هم في حقيقتهم ليسوا إلا علمانيين من أتباع الغرب، والثاني المحافظين والذين هم في حقيقتهم لا يختلفون عن الإصلاحيين إلا في ارتدائهم للعمامة السوداء أو البيضاء، فهم معادون للغرب طالما كان معاديا للعمامة، لكنهم مستعدون للتوافق معه فيما سوى ذلك.
لكن ذلك موجود أيضا بشكل شبيه في الوطن العربي، فالأنظمة تؤوي لديها عمامات شيوخ السلاطين، كغطاء ديني، لكن سياساتها جميعا يصوغها من يعتبرون أنفسهم إصلاحيين (الليبراليون)، لذا لا يحق لنا أن نلوم الإيرانيين ونحن نفعل فعلهم.
يبقى السؤال المحير: لماذا هذه الحرب الغربية الشرسة على إيران طالما أنها فعليا لاتخرج عن طوعها.
السبب الأول نفسي والثاني مصلحي إمبريالي، ففي الجزئية الأولى، تثير كلمة (الإسلام) رجفة في عروق الغرب، نابعة من عقدة التعصب القديمة، فلا يمكنهم تقبل مجرد رفع يافطة إسلامية ولو كانت هزيلة.
أما الثاني فهي استخدامها كفزاعة لتخويف شيوخ النفط وابتزازهم، ومؤخرا حصدت أمريكا قيمة مضافة جديدة، فقد شجعها هرولة العيال لخطب ود الكيان اللقيط، لتشكيل تحالف بينه وبين الأنظمة العربية العميلة لها، تحت عنوان درء الخطر الإيراني.
هكذا تبين لنا أن تمرير هذا التحالف المهين إن تم، ليس تغابيا من هذه الأنظمة، بل هو خيانة جديدة للأمة، بعد الخيانة الأولى بالتخاذل الطوعي عن نصرة فلسطين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى