تهمة مخلة بالشرف / جروان المعاني

تهمة مخلة بالشرف

لعل أقبح الأفعال أن تستقوي بالأجنبي على ابن البلد، أو بمنصبك على الشعب، فإذا ما جُبت بنظرك في بلاد العرب سترى العجب وأصنافا من الإستقواء على البلاد والعباد، وبعيداً عن اتهام احد بعينه فإن ظاهرة الاستقواء تدفعنا للقول بأنها تهمة مخلة بالشرف.!
تكاد ورقة التوت الأخيرة تسقط لتكشف عورة حاولنا كثيرا أن نداريها فجاءت جامعة الدول العربية وأسقطت هذه الورقة فعرت الجميع وبانت سوءاتهم فخرج بيان الجامعة خاليا من أي إشارة للكيان المُغتصب مطالبا الجماهير العربية أن تعلن العداء لإيران، وحتى نكون منصفين فإن هناك دولاً مانعت هذا الأمر ولكن على استحياء، أو خوفا من خذلانها مستقبلاً.!
نجحت إسرائيل نجاحا مذهلاً بالاستفراد بالأردن وبالتالي فرض أجندتها مقدمة خياران أحلاهما مُر فإما الموافقة على حل إسرائيل للقضية باعتبار الأردن وطناً نهائيا للفلسطينيين أو مزيد من الضغط الاقتصادي وتخلي دول الخليج الفاضح والواضح عن دعم الأردن لتجاوز محنته، ويكاد رئيس السلطة الفلسطينية أن يلعب دور الوسيط بين إسرائيل والأردن في محاولة منع سيناريوهات أسوأ بكثير من هاذين الخيارين.!
ذات تاريخ كانت إيران يحكمها الشاه محمد رضا حيث كان يعمل شرطيا لأمريكا والغرب على المنطقة، ثم تخلوا عنه ونجحت القوى الإسلامية من الاستيلاء على الحكم عام 1979م ليبدأ مسلسل الخوف من المد الإيراني حتى وصلنا لما نحن عليه الآن حيث نجحت ماكينة الإعلام من التغول والتوغل على عقولنا لتصور لنا إيران كعدو حقيقي وأن الشيعة كفار وإذا ما أراد أهل السنة النجاة فعليهم الاستقواء بإسرائيل والاستنجاد بها وهو ما يحدث وما أظهره بيان الجامعة العربية المُخزي، وها هي طبول الحرب تُدق حيث الطبل العربي ينتظر مطرقة إسرائيل.
هكذا وبكل بساطة يريدون أن تتبلور حالة الحرب بين السنة والشيعة حيث صار التشيع تهمة مخلة بالشرف لا بل تُخرجك من ملة الإسلام، وكذلك ينظر الشيعة لأهل السنة على أنهم دواعش ويستهدفون وجودهم، وهنا لستُ بصدد التفصيل والتفضيل بين سني وشيعي فأنا ومعي كثير من الخلق لا أرى في التشيع جريمة، فكلٌ حُر بمعتقده وعلى الأرض أديان غير الإسلام واقبل بوجودها بدءا من اليهودية وليس انتهاء بالبوذية .
نجح العالم بتمزيق الممزق من العالم العربي، ونجحت الصهيونية بكسب ولاء الزعماء العرب، وها هي القضية الفلسطينية يطويها النسيان وتُفرض على الأردن حلولاً ربما سيقبلُ بها مجبراً، وهنا تغزوني فكرة ماذا لو فتحنا ذراعينا لإيران وجئنا بهم للمزارات وتركنا خلفنا الفتنة ونأينا بأنفسنا عن دوامة هذا الصراع، تُرى هل ستتركنا إسرائيل نكمل المشوار، بلا شك سيكون الجواب لا .
أدري أن عدداً كبيراً من الناس رافضين فكرة التقرب من إيران كدولة تتبنى الفكر الشيعي، وربما يفضلون إسرائيل عليها، فيستقوون بها، وهناك من يطالب بالتقارب مع تركيا وآخرون موزعون بين أمريكا وروسيا، حيث لا احد يستطيع الاعتماد على نفسه دون الاستعانة بالأجنبي، وكأن التاريخ يعود ليقول أننا كعرب لا قيمة لنا بين الشعوب إذا لم يقودنا كردي كصلاح الدين أو مملوكي كقطز، أو الباني كمحمد علي باشا، وهذا ما قصدته بالتهمة المخلة بالشرف.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى