
#جامعة_الأميرة_سمية… حكاية مختلفة في سماء ُالتعليم
بقلم: الأستاذ الدكتور محمد تركي بني سلامة
منذ أن انطلقت مسيرة جامعة الأميرة سمية عام 1991، وهي تحمل رسالة سامية تستند إلى رؤية ثاقبة وتوجيهات حكيمة من سمو الأميرة سمية بنت الحسن، رئيس مجلس الأمناء. لقد استطاعت الجامعة أن تحافظ على سمعة متميزة جعلتها تتبوأ مكانة رفيعة على المستويات المحلية والإقليمية والدولية.
ولم يكن هذا الإنجاز وليد الصدفة، بل ثمرة جهود متواصلة وعمل مؤسسي قادته قيادات أكاديمية وإدارية أثبتت كفاءة عالية واقتدارًا في إدارة المسؤولية. كل قيادة تولّت دفة الجامعة تركت بصمتها وأضافت لبنة جديدة في صرحها الشامخ، لتصبح جامعة الأميرة سمية اليوم عنوانًا للتميّز والإبداع، ومرجعًا أكاديميًا يُحتذى به.
وطوال تلك السنوات اوأنا أتابع بشغف مسيرة هذه الجامعة المضيئة. جامعة ولّادة للإنجازات، تتلألأ في سماء العلم والمعرفة، وتترك بصماتها على الساحة المحلية والعربية والدولية. كنت قد كتبت عنها سابقًا، وأشرت إلى نجاحاتها، لكنني لم أكن قد اختبرت واقعها من الداخل، ولم أحتك ببيئتها الأكاديمية بشكل مباشر. كنت أتابعها عن بعد، متأملاً أن أرى فيها نموذجًا مختلفًا عن بقية الجامعات، لكنني لم أتوقع أن ما رأيته هذا العام سيتجاوز كل تصور.
لقد كان هذا العام مميزًا بالنسبة لي ولأسرتي. فقد أنهى ابني عمر دراسته في الثانوية العامة – الفرع العلمي، وكان بإمكانه أن يواصل دراسته في جامعة اليرموك، حيث أعمل، أو في أي جامعة رسمية أخرى بالمجان. لكنني اخترت – عن قناعة تامة – أن أستثمر فيه وفي إخوته، فالمستقبل لا يُبنى بالصدفة، بل بالقرار الواعي. تقدمت بطلب له لالتحاق بكلية الهندسة في جامعة الأميرة سمية، ورافقته يوم تقديم امتحان القدرات والمقابلة الشخصية. وهنا بدأت رحلتي الحقيقية مع الجامعة، رحلة لم تكن مجرد زيارة، بل تجربة عميقة جعلتني أراجع قناعاتي وأتأمل الفوارق الهائلة بين ما هو مألوف وما هو متميز.
منذ أن خطوت قدمي داخل بوابة الجامعة، وحتى وصولي إلى مبنى الرئاسة، غمرني شعور غريب: كأنني دخلت عالمًا آخر. ما يزيد عن ثلاثون عامًا من التجربة الأكاديمية، ما بين طالب وأستاذ، في جامعات محلية وخارجية، لم تمنحني الإحساس الذي منحته لي هذه الجامعة. لقد وجدت روحًا مختلفة: العاملون يتعاملون مع الطلبة كأبنائهم، والزملاء فيما بينهم كإخوة، وإدارة الجامعة كأنها أسرة واحدة. يسودهم التعاون، الاحترام، التفاني، والإخلاص. شعرت أن كل فرد يعمل وكأن سمو الأميرة سمية بنت الحسن تقف فوق رأسه، تراقب وتتابع عن قرب كل صغيرة وكبيرة، لا بالسلطة فحسب، بل بالحب والرؤية والحكمة.
في تلك الرحلة التقيت بنخبة من الأساتذة والإداريين الذين جسّدوا أمامي معنى القيم الأكاديمية الرفيعة. كان أولهم الأستاذ الدكتور مهنا مهنا، عميد القبول والتسجيل، الذي تعامل مع طلب ابني بأعلى درجات المهنية والدقة. ثم المستشار الخلوق المهذب، الأستاذ الدكتور سفيان المجالي، الذي التفت إلى عمر وقال له: اعتبر أن لك عمًّا في الجامعة، ومكتبي مفتوح لك متى احتجت. يا لها من جملة تختصر فلسفة الجامعة كلها! وبعده التقيت بالدكتور عدي الطويسي، مساعد الرئيس، الذي استقبلنا بحفاوة، وقدم لعمر نصائح أبوية صادقة، مؤكداً أن مكتبه مكتبه. ثم جاء دور الدكتور رمزي الراديدة ، نائب عميد شؤون الطلبة، الذي لم يتركني طوال يومين، بل رافقني كصديق قديم وأخ وفيّ، ليجعل من تجربة القبول رحلة إنسانية لا تُنسى.
وبعد ان وصلتني رسالة من الجامعة يفيد بقبول طلب عمر للالتخاق بالجامعة. ذهبت إلى الجامعة لاستكمال إجراءات القبول ودفع الرسوم ، حيث شهدت ثمار هذا الجو الإيجابي وهذا الإخلاص النادر، تمت إجراءات القبول ودفع الرسوم في دقائق معدودة. لم يكن الأمر مجرد إنجاز إداري، بل كان رسالة قوية: أن النجاح ليس صدفة، بل نتيجة ثقافة عمل متأصلة. في تلك اللحظة، غمرني شعور بالفخر، ليس فقط لابني عمر الذي قُبل في كلية الهندسة، بل لهذه الجامعة التي تضع معيارًا جديدًا للتعليم والتعامل في الأردن والمنطقة.
جامعة الأميرة سمية اليوم ليست مجرد مؤسسة تعليمية، بل هي نموذج يُحتذى، ورسالة إنسانية تُترجم أن التعليم يمكن أن يكون بيئة للعلم والكرامة والإنسانية معًا. أبارك لابني عمر قبوله فيها، وأبارك لسمو الأميرة سمية بنت الحسن هذا النجاح الذي صنعته برؤيتها الثاقبة وقيادتها الحكيمة. أبارك أيضًا لكل العاملين من أكاديميين وإداريين وطلبة، الذين أثبتوا أن الروح الجماعية قادرة على تحويل الجامعة إلى بيت حقيقي للعلم والمعرفة.
ويبقى الأمل أن أرى جامعتي الأم، جامعة اليرموك، وقد اقتبست من هذا النموذج المضيء، بحيث أشعر بالطمأنينة إن التحق أحد أبنائي بها يومًا ما. فالتجربة التي عشتها في جامعة الأميرة سمية تؤكد أن الأمل ممكن، وأن الحلم في جامعات أردنية رائدة عالمية ليس بعيد المنال.
وللحديث بقية، إن شاء الله…