منابر الريموت كنترول / شبلي العجارمة

منابر الريموت كنترول

منذ زمن وأنا أتردد بالكتابة عن أي شيء يمت للدين بصلة، ذلك لأنني لست صاحب اختصاص أو دراية كافية أو علم يؤهلني للكتابة عن أمور الدين والعقيدة،لكن هذه الأعذار أقبلها من نفسي حين يتعلق الأمر بفتوى أو تفسير آية قرآنية أو شرح حديث نبوي،لكنني على أقل ما يمكن أعرف يقينا أن إنفاق دينار لعامل وطن على أحد الأرصفة تحت المطر أو لهب الشمس هو أحل وأبقى من صناديق التكايا والشحدة الأنيقة في المولات الكبيرة والصيدليات العملاقة.
أما وقد أصبحت صلاة الجمعة والعيدين برعاية الحكومة وأجهزتها الأمنية حصريا، وأصبحت صناعة الخطباء على شاكلة روبوتات آلية يتم شحنها وبرمجتها برؤية حكومية عليا ورعاية رسمية خاصة أصبحت لعبة مفضوحة على رؤوس الأشهاد ، حتى أصبحت الخطبة وجبة سياسية فارغة وفاشلة تحرج الخطباء قبل المصلين ورواد المساجد،أما وقد أصبح المشهد مؤذيا والسكوت عليه أشد إيلاما ووجع فقد باتت الكتابة عن هذه الظاهرة فرض عين على كل الأقلام المخلصة لربها ولأمتها وعقيدتها وأوطانها وشعوبها، والصمت والانبطاح والتطنيش هي علمانية مبطنة ورضا عن مؤامرة جعلت الدين قالب حلوى يتم تشكيله وتقطيعه وإطعامه بالطريقة التي تخدم رؤية الحكومة غير المخلصة لشعبها وغير الوافية بوعودها البراقة.
كل ما يحدث هو إملاءات الغرب القبيح الذي جسد الإرهاب للعالم بأنه عربي إسلامي بحت ولا يمكن أن يأتي إلا ممن يرتدون الثياب القصيرة ويعتمرون العمائم ويطلقون اللحى كما أنهم أتقنوا بالتفنن بصناعة فزاعة وأكذوبة داعش من تصميم الراية وحتى الزي والشكل والفكر، ولعل مصطلح الإسلاموفيولوجيا الذي ابتكروه ونحتوه وخطاب الكراهية الذي تغذية راعية الإرهاب الأول في العالم أمريكا حين أبادت شعبا مثل الهنود الحمر واستحلت أرضهم وربيبتها المسخ الذي يدعى إسرائيل والتي تحمل في تاريخها الأسود سلسلة وفصولا من المجازر الجماعية ضد شعب أعزل احتلت أرضه بالإرهاب والجريمة واللصوصية.
نحن نعلم شعوب العرب المسلمة أن الإملاءات في السياسة على الدول الضعيفة والعاجزة احتمالات واردة ومنها ما هو حاصل ومطبق،هذا بما يخص السياسة، لكن أن تصل الإملاءات للمسجد والمنبر وعلماء الأمة ضعاف النفوس لتسخير المنبر لخدمة الغرب وإسرائيل مثلما يحصل في مناهج التعليم فهذا أمر لا يقبل بأي شكل كان،وخطيئة بحق الدين وخيانة للشعب والوطن.
ولعل الشاهد على ما أقول، مرت جمعة مذبحة نيوزلندا وبعدها بطولة استشهاد عمر أبو ليلى وقد مر الخطيب المفوه مرور الخجلان وتعرض لهما بأقل من دقيقة على حذر، وكان حديثه فقط وكأنه مذيع يفصح عن الخبر الذي أوجع العالم وشعوبه بكل معتقداتها بلا زيادة أو نقص أو نقد ولعل جاسيندا أردرن فشت غل مليار مسلم في حين عجز هو مداعبة ودغدغة مشاعر خمسين مصليا لا أكثر وهم في تناقص.
لم يكن تأسيس المنبر من نبي الأمة الإسلامية محمد صلى الله عليه وسلم عبثا ولا محض صدفة،ولم يقف خطيبا من باب الاستعراض الكلامي والفصاحة العربية،فقد التصق الخطيب بوجود المنبر لأمور أبعد من قاصري النظر ،ولمهام أعظم من الفكر المنغلق، فالمنبر الذي يعتليه الخطيب جاء ليواكب الحدث وليطلع الناس على محدثات الأمور، جاء ليعرف الناس بكل ما يجري ويدور حولهم لا لتجهيلهم وتخويفهم وإحباطهم.
هل يعقل أن تكون خطبة الشيخ عن كيفية الصلاة والوضوء لمصلين توضؤا في بيوتهم وجاءوا للصلاة؟،هل يعقل أن يتم الخطبة عن الحشيش والهروين في مصلين يفترض فيهم الطهر والصلاح؟،هل يعقل أن تكون خطبة الجمعة عن الأمن والأمان والناس تتساءل عن موعد صرف الدعم الذي لا زالت تحتال بقرار تأخير صرفه الحكومة؟،بينما تقصف غزة بالصواريخ وتزهق أرواح خمسين مسلما في نيوزيلندا والخطيب يتحدث عن جغرافية المنطقة وبعد بيت المقدس عن عمان؟ .
لقد وجد المسجد ودروس العلم والمحاضرات به للإرشاد وتعاليم الدين والفقه والعبادة والدعوة، لكن المنبر هو الأداة السياسية التوعوية الفاعلة ،والجامعة الكبرى التي بقيت بيد الأمة الإسلامية والمجتمع العربي المحافظ،وليس منبرا يدار بالريموت كنترول من قبل شيخ معدل بالديجاتل والذاكرة المؤقتة المحشوة لبث دعاية حكومية أو تبرير قرار أو تخميد مشاعر المسلمين الذين وصلوا لدرجة الإحباط على حد قول أحدهم “رايحين على حصة الدين اليوم الجمعة بس مين الأستاذ؟،أهم شي إنه شيخ 2G مو 4G عشان ما يطول وإذا بده اسمعله الخطبة على الباب ويعفيني من الجمعة وأروح اتغدى؟.
أذكر تلك الدعابة فيما مضى، أن أحد الخطباء بعد أن أنهى الخطبة على أصولها نسي الدعاء لولي الأمر وكان يعرف مسبقا أين يجلس مندوب الأجهزة الأمنية في المسجد ،فنظر له الشيخ من على المنبر هل أعجبته الخطبة؟ ،فأشار له برأسه لا أعدها،فعادها وعلى نفس المنوال، وبعد أن مل الشيخ أخرج مسبحته وأخذ يلولح فيها ويغني أغنية وطنية”.
لقد استقللنا من استعمار الغرب ولا زلنا نحتفل زعما منا بالاستقلال، فهل سنحتفل يوما باستقلال المنابر ويتم تحطيم الريموتات وتكسير روبوتات الشيوخ المعبأة آليا باشتراك الجمعة والتخلص من عطاء رعاية الحكومة الحصري لصلاة الجمعة ؟.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى