اتق الله فينا ولا تأتِ لنا إلاّ برزقٍ حلال / ماجد دودين

اتق الله فينا ولا تأتِ لنا إلاّ برزقٍ حلال
(( يا رجل اتق الله فينا ولا تأتِ لنا إلاّ برزقٍ حلالٍ فإننا نستطيع الصبر على الجوع في الدنيا ولا نستطيع الصبر على العذاب في الآخرة)).

هذه هي الوصية العظيمة من الصحابية المؤمنة لزوجها المؤمن.. تستوقفه على باب البيت قبل الخروج للمشي في مناكب الأرض في طلب الرزق الحلال..

تودّعه بهذه الكلمات… تزرع فيه مخافة الله وخشيته وتعززها.. وتبعث فيه روح الهمة والنشاط وتحثه على الصبر وعلى الكسب الحلال الطيب..

فيخرج من بيته كشلالٍ من إيمانٍ وتفاؤلٍ وأمل.. يخرج باسم الثغر منشرح الصدر مطمئناً بالإيمان متوكلاً ومعتمداً على الرحمان.

نسجَت المرأة المؤمنة خيوط هذه الوصية بأحرف من نور في زمنٍ فهمت فيه المرأة البداية والنهاية وعرفت الهدف والغاية..

لقد كان البيت مملكة.. الرجل ملكها وربّان سفينتها.. مملكة تكليف قبل أن تكون مملكة تشريف.. والمرأة ملكتها فهي رفيقة الدرب وحبيبة القلب.. يتعاونان لتصل سفينة الأسرة – فلذات الأكباد وثمرات الفؤاد – إلى بر الأمان وشواطئ السلامة والسلام.

أما في هذا الزمن المظلم.. زمن التحرير والمساواة.. زمن الفتن الذي انعكست فيه القيم وانقلبت الموازين فإنّ المرأة تستوقف زوجها على باب بيته قبل أن يخرج ليمارس كعادته السعي بنهمٍ وأنانيةٍ وليركض عبر شوارع الحياة ركض الوحوش في البرية وليمارس التنافس والصراع والتطاحن بعد أن زوَّدته زوجته بقائمة طويلة عريضة من الكماليات وتأمره بعدم العودة إلى قفص الزوجية وسجنها الكئيب إلا وقد أحضر كل محتويات القائمة كيفما اتفق وبأي طريق من الحرام أو الحلال لا فرق.. وإنْ لم يفعل فالويل له.. هذا إذا لم تكن هي ذاتها قد تركته وأبناءه لخادمة أجنبية لا تجيد لغة أو طبخة عربية وخرجت الزوجة متبرجة تزاحم الرجال بالمناكب وتعمل معهم في المكاتب ثم في آخر الشهر تقبض الراتب وتتجه على جناح السرعة تدفعه إلى ((كوافير)) يجيد تسريحة أوروبية.

لقد طالبت المرأة بالتحرير فتحرّرت من الحياء والفضيلة والعفة والإنسانية.. بينما طالبت الصحابية العربية المؤمنة أسماء بنت يزيد الأنصارية بتحرير من نوع عجيب.. لقد أتت النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس مع بعض أصحابه وقالت: (( يا رسول الله.. أنا وافدة النساء إليك، وقد أرسلك الله إلينا رجالا ونساء.. ولكنكم معشر الرجال فُضِّلتم عنَّا بالجمع والجماعات والحج والجهاد ونحن قعيدات بيوتكم، نغزل ثيابكم، ونربي أولادكم ونصنع طعامكم ونحفظ أموالكم ونصون إذا غبتم.. أفلا أجر لنا معكم؟!))

فاستدار صلى الله عليه وسلم بكل وجهه الشريف المنير الطـــــــــاهر إلى أصحابه وقال: (( أسمعتم مقالة امرأةٍ في أمرِ دينها كهذه؟ )).

قالوا: لا يا رسول الله.

فنظر إليها صلى الله عليه وسلم وقال:

((أيتها المــــــــــــــــــــرأة، اعْلمي وأعْلمي من خلفك من النساء أنّ حُسْن تَبعُّل ـــ معاملة ومعاشرة ـــــ المرأة لزوجها يعْدل ذلك كله )).

وحين سمعت وعلمت أنّ حُسْن معاملتها ومعاشرتها لزوجها ورفيق دربها وحبيب قلبها يعْدل ويساوي الجمع والجماعات والحج والجهاد انصرفت وهي تُكبّر حتى اختفت عن مجلسه صلى الله عليه وسلم.

لقد طالبت خطيبة النساء ومندوبتهن” أسماء” التي نطقت بألسنتهن بأن تتساوى المرأة في الأجر والثواب مع الرجل، فلما اطمأنت إلى أن أجرها على حسن معاملتها زوجها يعدل أجر الجُمع والجماعات والحج والجهاد عادت مكبرة إلى بيتها.. إلى عشها إلى أُسرتها.. إلى مملكتها .. تغزل الثياب.. وتربي الأبناء تربية إسلامية.. وتصنع الطعام وتحفظ مال زوجهـــــــــــــــــا وتصــــــون فرجها لتسمع يــــــــــــوم القيامة نـــــــــداء ربها: (( أين التي صلّت خمسها وصامت شهرها وحفظت فرجها وأطاعت زوجها أُدْخلي الجنة منْ أيّ الأبواب شئت)).

لم تكن المرأة المؤمنة تريد من زخارف الحياة وزينتها ومتاعها وأثاثها شيئاً.. لقد كانت تريد الزوج الذي يعلّمها الطريق إلى جنة ورحمة ربها..

والطريق إلى الجنة محفوف بالمكاره.. لأن الجنة سلعة الله الغالية.. ولا بد من التضحية للحصول على تذكرة إلى الجنة..

لقد سجل تاريخنا في حقبته المشرقة بين أروقته وفي ثنايا أوراقه أنّ أرملة شابة عادت من الشام إلى الحجاز صفْر اليدين لا يكاد يستر جسدها شيء إلا ثياب خشنة، أقرب إلى الأسمال البالية.. فما أن رآها أهلها حتى هالهم الأمر، وفي عجبٍ ودهشة راحوا يتساءلون: (( أهذه زوجة والي حمص وما حولها؟ )).

والشام يومئذ من أغنى بلاد الدنيا، ينعم أهلها بالثراء بما فيها من ثروات وما تمتاز به من مركز تجاري كبير بين الشرق والغرب، وما بلغته من مستوى رفيع في ذلك العصر.. ولم يتمالك أحدهم أنْ سألها عمَّا ورثته عن والي حمص “سعيد بن عامر” رضي الله عنه، فكان جوابها جواب المرأة المؤمنة:

(( والله لقد ورثت عنه ما لا يوزن بمال الدنيا وما فيها.. لقد علمني القناعة والتقوى والورع.. ألا تعلمون منْ هو سعيد بن عامر؟ )).

تفتخر بالقناعة والتقوى والورع، وحُق لها الافتخار بهذه المعاني العظيمة لأنها الضوء الأخضر ـــ بعد رحمة الله ــ إلى الجنة ورضوان الله.. وتلتفت الأم إلى ابنتها الأرملة، وتربّت في حنان على ظهرها، وهي تهمس (( أهذا كل إرْثك يا بنيّتي؟))

وتُجيبها الابنة المؤمنة وهي تحبس عبراتها:

” إنّه لكثير.. وإني والله لأرجو أنْ أكون معه في الجنة”.

((إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ (55) هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِؤُونَ (56) لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُم مَّا يَدَّعُونَ (57)

سَلَامٌ قَوْلًا مِن رَّبٍّ رَّحِيمٍ (58))). سورة يس .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى