جاري والقرار الجريء!

#جاري_والقرار_الجريء!

من قلم د. #ماجد_توهان_الزبيدي

كان ذلك من سنين سبع  ونيّف،هي فترة جيرتنا المشتركة في بنايتنا المشتركة التي تجمعنا أيضاً مع جيران أفاضل طيبين :أبو جميل وأنا ،دأبنا على الإلتقاء كل يوم تقريباً من أيام  شهور #رمضان في الذهاب للمسجد للصلاة،وللمخبز لشراء الخبز والقطايف ،نتجاذب أطراف الحديث،ونتمشّى في الأسواق القريبة تضييعاً للوقت،وتبادلاً للرأي في قضايا وطنية وقومية عديدة من غلاء أسعار المنتجات لقضايا الصراع مع العدو الصهيوني  الذي يوزّع جرائمه هنا وهناك على شعوبنا العربية المظلومة والفقيرة بفلسطين وسوريا ولبنان واليمن!

وقد كنّا نشتري “القطايف” مرة كل يومين  في ضور إعتبارها حلويات  الشهر الفضيل ،منذ صغرنا،بإعتبارها تراثا عربياً ببلاد الشام ،وتحديداً بالأردن وفلسطين،نتناولها في العادة ،محشوةً بالجوز (القلب) أحيانا وبالقشطة أحياناً أخرى ، بعد أن كنّا أيام العوز  من ستينيات لثمانينيات القرن العشرين نحشوها بالسكر  أحيانا ،وب”جوز الهند ” و”الفزدق السوداني” أحياناً أُخرى،ونادراً ما أطبقت شفاهنا وضغطت أسناننا وأضراسنا غيرها من سُكرّيات في رمضان!

مقالات ذات صلة

إلّا أن جاري أبو جميل ،صار له حوالي أسبوع تقريباً،غائباً عن مشهد مشاويرنا المشتركة  على شراء “القطايف”،الأمر الذي جعلني أطرق باب شقته مُستفسراً عنه وعن غيابه،ظنّاً مني أنه ربما يُعاني من آلام صداع من صوم في ضوء دخوله العقد السادس من العمر من نصف عقد من السنين!

وجدتُ جاري خلف باب بيته يتجهز للخروج للسوق ،فخرجنا معاً:

ـ خير ياخوي :عساك بخير؟

ـ الحمد لله ياجار.والله بخير وعافية.لكن إعذرني على غيابي عن مشاورينا المشتركة بعد قراري الإستراتيجي….

قاطعته:ياستار ياخوي يا أبا جميل!

ـ أنت جار وصديق عزيز لم نر منك سوى كل الخير ،ونحن أهل وليس من سر بيننا:إنشغلت أُختك أم جميل بتحضيرات إفطار رمضان بعد آخر يوم على مشوارنا المشترك السابق قبل أسبوع ،ولم تقلي القطايف كعادتها بُعيد الإفطار مباشرة ،طالبة لأول مرة أن يتم ذلك بعد صلاة التراويح،إلّا أنني وجدتها عند  رجوعي “متمسمرة” امام شاشة التلفزيون ،لا ترمش إلّا عند الضرورة القصوي ،تكاد عيناها أن تدخلا في شاشة التلفزيون مع ابطال مسلسل “عروس بيروت” الذي هو من عشرات الحلقات المسجلة مُسبقاً،وبالإمكان مشاهدتها في وقت من النهار أو الليل …

قاطعته:ليس في الأمر من بأس يا أبا جميل!من حق اختنا أم جميل أن تروّح عن بالها وعناء نفسها بمشاهدة ماتحب من مسلسلات…

قاطعني بدوره : وهل تظنني من الرجال المتزمتين في ذلك ياجار؟ طبعاً من حقها،لكنها نسيت نفسها وإقتربت الساعة من منتصف الليل ،وهي “تبحلق” بسيدات مسلسل “عروس لبنان”،ثم هدّها التعب ونامت!

ـ امر طبيعي ياجار .الله يعين نسائنا على تعبهن ومعاناتهن في رعاية بيوتنا وأولادنا ورعابتنا!

ـ صحيح .لكنني  أنطلق من القول المأثور “ربّ ضارة نافعة”!فأنا قللتُ من مشاويري لشراء ” #القطايف ” و”جوزها”، وثانيا، إتخذت قراري بعدم تناولها إن شاء الله للأبد!…

ـ لا يا أبا جميل.إنها لذيذة ،وخاصة عند حشوها بالجوز!

ـ إسمع ياجار:وهل يقتل العمر سوى لذائذ الحياة وطيباتها وإغراءاتها؟! أنت وأنا في منتصف العقد السادس من العمر الذي إنقضت عقوده الجميلة من دون أن نتنعم بلذائذ الحياة نظراً لظروف أهلنا البائسة فيما مضى ،وآن الأوان أن ننعم بما تبقى لنا من بضع سنوات دون مغامرة محسومة النهايات لصالح السكرّي وأمراضه وأخطاره ،باي باي “قطايف وجوزها معها” ياجار..بدنا نتنعم بصحتنا وبما تبقّى لنا من بقايا عُمر ياجار،نحن الذين عشنا في جوف الأحزان والعناء والعوز واللهاث في مسافات سباق لا تنتهي نهاياتها من المعاناة من طفولتنا لكهولتنا

(11آذار2025)

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى