تَـشـــــــلــيـــــح إبــلــــيــــس / د . ناصر نايف البزور

تَـشـــــــلــيـــــح إبــلــــيــــس
قد يكونُ كتاب “تلـبـيـس إبـلـيـس من اروع الكُتب العلمية التحليلية في تراثنا الإسلامي، و قد قام بكتابته العلّامة ابن الجوزية القرشي؛ و يقع الكتاب في ثلاثة عشر باباً يُبَيِّنُ فيها ابن الجوزية رحمه الله كيفية تلبيس إبليس على شرائح متعدِّدة من الناس و إضلالهم و خداعهم بطرق شتَّى ظاهرها الخير و حقيقتها الشر و الكفر و الهلاك! و قد كَثُرَ في زماننا هذا الأبالِـسة و أبناء الأبالسة الذين نُسمّيهم بالعامية دون إدراك بـِ “أولاد الأبَـلـسة” يعني “أولاد الحرام” مجازاً لا حقيقة، و قد يكون كلا الحالين! فباتَ لِزاماً علينا تعرِيَة هؤلاء الشياطين “من الجِنَّة و الناس” و كَشفُ زيفِهِم و كذبهم و بالتالي تألبف ” تَـشـــــــلــيـــــح إبــلــــيــــس” بدلاً من ” تلـبـيـس إبـلـيـس”!

فلطالما ناديتُ شخصياً على مدار العشرين عاما المنصرمة بضرورة الإصلاح والتجديد في شكل، و مضمون، و أساليب و ادوات الخطاب الديني في عالمنا الإسلامي حتّى اتهمني البعض بالكفر، أو الفسق، أو التشيّع أو الماركسية! وأنا أُشهـِدُ الله انَّني من كُلِّ ذلك بَراء براءة الذئب من دَم ابن يعقوب! فلا أبغي سوى الإصلاح ما استطعت لعلّي أرى أمّتي و وطني في صفوف الأمم الراقية يوما ما!

وهذا الإصلاح والتجديد ينبغي أن ينطلقا مع فقه الواقع و فقه المقاصد و المآلات؛ لا من فقه الحيض ولا فقه دورات المياه ولا فقه البارات و الكازينوهات! و لتحقيق هذا المقصد العظيم ينبغي تظافر جهود الفقهاء، و الفلاسفة، و أصحاب الفكر و البيان، و دهاقنة الساسة و كبار رجال المال و الصناعة الحريصين على مصلحة و سمعة دينهم و أمّتهم و ذلك بتقديم الإسلام الوسطي، النقي، المتسامح، الجامع لصلاح الدنيا و فلاح الآخرة واقعاً مُعاشاً على الأرض لا حقيقة افتراضية و مثالية مُفرطة و لا خيالية مُحبِطة!

و لا يكادُ يزعجُني شيء في الدنيا أكثر من إصرار بعض ما يُسَمَّون بالمُثقفين على الباطل وهم يعلمون أنّه باطل باطل باطل؛ إذ أنَّ الحُجَج التي يسوقونها لا يتقّبلها حتَّى غيرُ أولى الحلم والنهى ولا حتَّى “البُبّو أبو فوطة”! وفي هذه المُقام، أريد تسليط الضوء على ما أتحفنا به ضيفٌ ممَّن ينتسبون للعلم والثقافة والتحليل السياسي والفكري على محطَّة فضائية محليِّة قبل أيّام!

فقد كأن أحدُ الضيوف قيادي يساري مع خلطة كوكتيل إسلامية مع رائحة لبرالية بنكهة الإلحاد التنويري! و لتلبيس الأمور و خلط الأوراق على المشاهد و المستمع البسيط، فقد قدّم الضيف نفسه كمسلم غيور على دينه من خلال لحيته المعروفة للبعض ومن خلال تأكيده على حرصه على “تحديث الخطاب الإسلامي”! فقد ركّزَ الضيف الكريم على مشاكل خطبة الجمعة و هو ما انتقدته بنفسي مئات المرّات لكنَّ الهدف بيننا مُختلف و الوسائل يجب أن تكون مختلفة أيضاً!

المضحك المُبكي أنَّ هذا العلّامة عَـبـَّرَ عن سخطه على مُحتوى خطب الجمعة التي تلتزم بديباجة مُملّة من الحديث عن القصص القرآني و السيرة و قصص الصحابة!!! فهذا يُصيب الناس بالضجر و السأم و القرف على حدِّ قوله! ثُمَّ تقَدّم صاحـب الفضيلة بالحل السحري الذي يكشف حقيقة نواياه و أهدافه! فقد اقترح فضيلته أن يتحدّث خُطباء الجمعة عن “جيفارا” على المنابر بدلاً من الحديث عن تلك القصص! و هُنا قلتُ في نفسي لقد “آنَ لأبي حنيفة أن يَمُدَّ رِجله” بل و “يطلِّع لسانه و يوخذ غفوة”!

نحنُ نُقدِّر نضال “جيفار” في حركة التحرُّر العالمية؛ و لكن يجب أن نتحرّى الدقّة في الطرح و السلامة في المنهج و التحقُّق من نُبل و عقلانية الأهداف! فيجب علينا أن نربط الواقع الراهن بالقصص القرآني و النبوي، ولا بأسَ عندها من الإشارة إلى بطولات مانديلا و جيفارا و إنسانية مُؤّسِّس مايكروسوفت “Bill Gates” تلميحاً أو تصريحاً؛ و لكن لا يمكننا ان نُطالب بإحلال قصص هذه الشخصيات المعاصرة مكان قصص و بطولات الأنبياء و الصحابة لأنَّ هذا يُؤدّي لاختلال عقدي و فقهي و تربوي! و هذا هو دَسُّ السُمَّ في العسل يا شيخ جيفارا!!! واللهُ أعْلَمُ وأحْكَم…!!!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى