«تيلان».. وتجميل الوجه

«تيلان».. وتجميل الوجه
د. رشيد عبّاس

بعد ان سرقت بنت ابيها «عقد» رقبة من النوع الثمين من محل مجوهرات الذهب المجاور, دخلت بنت ابيها على محل مساحيق تجميل الوجه وطلبت من البائع مسحوق للتخلص من البقع والهالات السوداء حول العينين من اجل تجميل وجهها, فأجابها صاحب المحل قائلا: (مساحيق الدنيا لن تجمّل وجهك) بعد ان سرقت العقد, فانصرفت مسرعة خائفة مضطربة, الا ان جميع كاميرات المحال المجاورة رصدت تحركاتها بدقة عالية واجري لها اللازم من قبل رجال الامن,..الى هذا الحد انتهى المشهد.
في هذا العالم, ماركات مساحيق تجميل الوجوه كثيرة ومتنوعة وربما تعالج هذه الماركات بثور الوجوه وتضيق المسامات المفتوحة، وربما تتخلص من الحروق التي تخلفها الشمس على الوجه, اومن الشحوب والبقع والهالات السوداء حول العينين، وربما تعمل على توحيد لون البشرة وتبيضها, واذابة الدهون وإزالة الشوائب العالقة في مسامات الوجه، والقضاء على الرؤوس السوداء, (الا) انها لا يمكن باي شكل من الاشكال ان تزيل او ان تمحوا بشاعة بعض الوجوه الخادعة والحاقدة والماكرة مهما كان جودة انتاج شركات مساحيق الوجوه ذات الماركات العالمية.
عندما سُألت الفرنسية «تيلان» بلوندو والبالغة من العمر 17 عاما، عن سر جمال وجهها أجابت قائلة: لم استخدم مساحيق التجميل على الاطلاق, ولم اقم بأي عملية تجميل للوجه, واكثر من كل ذلك كنت على حد تعبيرها انظر كل ليلة بتمعن في وجه ابي وهو نائم في السرير ولمدة تزيد عن ربع ساعة ثم انصرف الى غرفتي, يذكر ان هذه الفتاة تم اختيارها أجمل فتاة في العالم، وأجمل وجه على الأرض،..ويمكن لنا ان نضيف هنا الى كلامها ايضا انها لم تضع (عقدا) في رقبتها بالحرام,..ويذكر ايضا ان وجه «تيلان» بلوندو الجميل جمع بين الجمال والحزن, وبين الخجل والخوف, وبين الحاجة والصمت, وبين الانتظار والأمل.
لا غرابة في حديث «تيلان» بلوندو حين قالت: (لم استخدم مساحيق التجميل على الاطلاق), ولا غرابة ايضا حين قالت: (ولم اقم بأي عملية تجميل للوجه), لكن الشيء الغريب والذي استوقفني طويلا قولها: (واكثر من كل ذلك كنت على حد تعبيرها انظر كل ليلة بتمعن في وجه ابي وهو نائم في السرير ولمدة تزيد عن ربع ساعة ثم انصرف الى غرفتي), هذه العبارة دفعتني لطرح العديد من التساؤلات منها: كيف وصلت هذه الثقافة الى هذه الفتاة؟ وهل كانت تأخذ من وجه ابيها كل ليلة الجمال والحزن؟ ام الخجل والخوف؟ ام الحاجة والصمت؟ ام الانتظار والأمل؟ ام انها كانت تأخذ كل ذلك في كل ليلة؟
يقال (والله اعلم) ان النظر في ثلاثة أشياء تكسب الوجه نظارة وصفاء وجمال ما بعده جمال, وهي النظر في وجه الأبوين وهي صفة كما يقال متوفرة لدى الشعب (السويدي)، والنظر في المصحف الشريف وقد اشتهر بذلك شعب (المغرب العربي)، والنظر إلى الكعبة وصورتها وامتاز به الشعب (الاندونيسي) كما تشير كثير من الدراسات لذلك, والمدقق في وجوه هذه الشعوب الثلاث سيجد دون ادنى شك ان هناك نظارة وصفاء وجمال من نوع خاص لدى هذه الشعوب, حسب معايير الجمال الدولية.
لكن كتاب الله عز وجل القران الكريم, وصف لنا بدقة عالية صور وملامح وجوه الناس يوم القيامة, فمنها الناضرة والغبرة, ومنها الناعمة والباسرة, ومنها المسفرة والخاشعة, الى غير ذلك من صور وملامح جاء ذكرها في كتاب الله, وعدل الله المطلق سبحانه وتعالى ان كل انسان منا سيأتي يوم القيامة بإحدى هذه الصور والملامح, وهناك لا يوجد مساحيق او عمليات تجميل للوجوه, انما ستظهر الوجوه على حقيقتها وطبيعتها.
جمال الوجه الحقيقي هو ذلك الوجه الذي يوجد خلفه قلب ابيض لا يحمل اية بغضاء او اية احقاد دفينة, وتجري في عروقه وشرايينه مكارم الاخلاق التي تمّمها سيد الخلق «محمد» صلى الله عليه وسلم, نعم جمال القلب وجمال النفس حالة دائمة, في حين ان جمال المساحيق وجمال العمليات الجراحية حالة مؤقتة, ..وقد اصاب من قال: (أيا هذا الشاكي وما بك داء, كن جميلا ترَ الوجود جميل, والذي نفسه بغير جمال, لا يرى في الوجود شيئاً جميلا).
بقي ان نقول: «تيلان» بلوندو, زرعت في هذه الارض الجمال والحزن, وزرعت الخجل والخوف, وزرعت الحاجة والصمت, وزرعت الانتظار والأمل,.. ونحن للأسف الشديد زرعنا في رقابنا عقود وعقود..

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى