وغابت المدافع عن شاطئ العقبة . . ! / موسى العدوان

وغابت المدافع عن شاطئ العقبة . . !
موسى العدوان
في يوم الثلاثاء 29/8/2017 جرى احتفال على شاطئ العقبة، لاستلام شحنة قمح بقيمة 9 ملايين دولار كمنحة أمريكية. وقد فوجئنا في وقت لاحق بشريط فيديو، يظهر معالي وزير التخطيط والتعاون الدولي وهو يخطو على السجادة الحمراء، التي فُرشت بجوار سفينة القمح الأمريكي على شاطئ العقبة، على وقع الأهازيج الشعبية، وإشهار السيوف، ومصافحة المستقبلين، تقليدا لما يجري عند استقبال رؤساء الدول في زياراتهم الرسمية إلى دول صديقة.
لم تكتمل مراسيم هذا الاحتفال بالصبغة المعروفة، إذ أغفل منظموه وجود المدافع الاحتفالية، لكي تطلق 19 طلقة على الأقل – بدلا من 21 طلقة كما لرؤساء الدول – احتفاء بقدوم وزير التخطيط مما جعل الاحتفال يبدو مبتورا، ولا يرقى لمستوى هذه المناسبة الجليلة.
لقد أكدت وزارة التخطيط والتعاون الدولي في تصريح لاحق، بأن لا علاقة للوزارة بالترتيبات اللوجستية التي جرت في تلك المناسبة والتي فوجئ معاليه بها، مؤكدة بأن مثل هذه الترتيبات قد جرت في وقت سابق لوزراء آخرين في مناسبات مماثلة. كان يمكن أن تمر مثل هذه الشحنات باحتفالات بسيطة، يحضرها مندوبين عن وزارات التخطيط، والزراعة، والصناعة والتجارة، مع مندوب من السفارة الأمريكية، بعيدا عن هذا الضجيج المفتعل.
وإن كنا نتفهم تبرير وزارة التخطيط عما جرى، فإننا نتساءل : ما هي مسوغات هذه الاحتفالات الاستعراضية، ومن الذي أمر بإجرائها ؟ وهل جرت من أجل شحنة قمح تنقذنا من الجوع، بعد أن عجزنا عن تدبير ثمنها ؟ أم من اجل إظهار الكرم الأمريكي الذي يُقدِم لنا الفتات، بينما يقدم الصفقات الكبيرة لغيرنا من الدول ؟ أليس في هذا استهتار وإهانة للشعب الأردني الذي يُظهره كشعب متسول، يبحث عن لقمة الخبز من السيد الأمريكي ؟ إنني أطالب الحكومة بمحاسبة المسؤولين عن هذه المهزلة، التي شكلت إهانة لكرامة ومشاعر الأردنيين.
وبهذه المناسبة لابد من مخاطبة وزير الزراعة والتعرف على دور وزارته في هذه المعضلة التي تشكل ( أزمة اقتصادية دائمة ). فقد كان الأردن في منتصف القرن الماضي منتجا للقمح بجودة عالية، وبكميات تكفي الاستهلاك المحلي وتصدير الفائض منها إلى الخارج. واليوم يصرح معالي وزير الزراعة خالد حنيفات : ” أن الأردن لا يستطيع زراعة القمح في ظل التغييرات المناخية، وانخفاض هطول الأمطار خلال السنوات الأخيرة “. وقد يكون في هذا الكلام بعض الصحة.
ولكن الأسئلة التي تطرح نفسها الآن بقوة على معالي الوزير هي : هل اقتنعت بهذه المقولة واستسلمت بدون أي حراك يخفف من وطأة الأزمة ؟ أين مبادراتك الخلاقة لمعالجة هذا الموضوع المقلق للشعب الأردني ؟ وماذا عن أراضي الجنوب المؤجرة للمتنفذين بمبالغ زهيدة، والتي يفترض أن تنتج القمح، بدلا من زراعة أشجار الفاكهة والخضروات، بعكس الاتفاق المبرم معهم ؟ ثم ماذا عن مياه الديسي التي يمكن أن تروي آلاف الدونمات وتنتج حاجتنا من القمح ؟ وأين عملية الاستمطار التي أعلن عن نجاحها في العام الماضي لاستغلالها في إرواء المزروعات ؟ ولماذا فشلت مشاريع وزارتكم سابقا، بزراعة القمح في الأراضي السودانية المستأجرة ؟ ألا يمكن أن تعاد التجربة بعد معرفة أسباب الفشل السابقة وتجاوزها ؟ هذه الأمور اختفت جميعها من المشهد، ولم نعد نسمع عنها أية معلومة تبعث فينا الأمل.
والقمح كما هو معروف، سلعة إستراتيجية وسياسية هامة للشعب، لا يجوز قياسها بمقياس الربح والخسارة، بل يجب المحافظة على إنتاجها محليا من قبل المزارع الأردني مهما كلف الثمن، وذلك من خلال دعمه وتشجيعه بتقديم البذور والعلاجات والخبرة والمعدات الزراعية إليه وشراء محصوله بأسعار مرتفعة، وليس فقط بتقديم القروض التي يعجز عن سدادها فيما بعد. أن هذه هي مهمة الحكومات المتعاقبة وعلى رأسها وزارة الزراعة، إذا كان همها مساعدة المزارع والحفاظ على مصلحة الوطن . . !
التاريخ : 4 / 9 / 2017

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى