
وتـكبُـر حقـائـبنا
نُسرِف بالكثير من أعمارنا ، ونجهل المنتهى منها ..
كُنّا صغاراً نعيش طفولتنا بعمق، نُلاحق الحياة بقلوبٍ شغوفة تأبى التنحي عن تفاصيلها البسيطة، لا تؤذينا ترهاتُها ولا تقِلُّ عِثارنا ..
لم نحمل همّاً في قُلوبنا سوى همّ أن نصحوا صباحاً للمدرسة، فنُجهّز حقائبنا، ونضعُ تصبيرة الزعتر على جانبها و”مطّارةُ ” الماء على جانبها الاخر ..
كنا حينها لا نقف على المرآة كثيراً، فـ يَدَانِ ” الأمِ “هي من تصفّفُ أشعرنا وتُرتِّـب ملابسنا وتُقلم أظافرنا، وكانت أيادينا تُودّعها حين نغادر وتتساقط البراءة منها حين تلوح ..
كُنا صِغاراً نقصد طريق المدرسة بأكتافٍ لاتحمِل سِوى تلك الحقيبة الممشوقة برائحة الزعتر والدفاتر والأقلام .. وتلك ” المِمْحاة ” التي لطالما محت الكثير من زلّاتنا لتبقى صفحاتنا نظيفة ..
وعندما كبِرنَا !
كَـبُـرَت حقائبنا وما عاد فيها مُتسع لتصبيرةٍ او مطّارة ماء، وما عاد فيها متسعٌ لأقلامٍ وألوان او قِصعَة مِمْحاة، وانطوت الكثير من الصفحات ، ك صفعات الحياة، وصفقات الوفاء ..
تبدّلت حقائبنا وما عادت تحمل ما اعتدنا عليه في طفولتنا، صارت تحمل الكثير والكثير، وصرنا نقصد طريقاً غير ذاك الطريق، متروكين نواجه الألم المكين وتَتيهُ بنا العناوين ..
كنا نحمِلُ اقلامنا وصِرنا نحملُ أوجاعنا
كنا نغادر بيوتنا .. وصِرنا نغادر أوطاننا !
وبِتنا نفقد تلك الجَلسات التي كانت تَضجُّ بالحِكايات والضَحكَـات ..