الإعلام وتركيزه على الوزير / موسى العدوان

الإعلام وتركيزه على الوزير

بيّنتُ في منشور سابق، أن الدكتور غازي القصيبي قد جرى تعيينه في عام 1982، وزيرا للصحة في المملكة العربية السعودية، رغم أنه لا يحمل أي تخصص طبي. ولكن الإعلام ركّز عليه من خلال نشر نشاطاته في العمل، والتي شكلت له نُذر خطر قادم. يقول الدكتور غازي بهذا الخصوص ما يلي وأقتبس :
” في الوقت الذي أصبحْتُ فيه وزيرا للصحة بالأصالة، بعد أن أقسمت اليمين أمام الملك ( فهد ) دنوت منه وشكرته ثم قلت : أرجو ألا تندم على هذا القرار. نظر إلي بشيء من الاستغراب وقال: لن أندم إن شاء الله. ألا يبدو تعليقي غريبا بعض الشيء ؟ خارجا عن المألوف بعض الشيء ؟ حسنا ! في الوقت الذي أصبحت فيه وزيرا أصيلا للصحة، كنت أرى على الأفق نُذر خطر، وكنت ارقبها بشيء من القلق، شاعرا في مكان ما في الأعماق أنها ستؤدي، شئت أو لم أشأ إلى نهاية مبكرة لوزير الصحة الذي أقسم اليمين لتوه. ما هي هذه النذر ؟ فلنبدأ بالإعلام.
في هذه الفترة اتخذ اهتمام الإعلام شكلا تجاوز كل الحدود المعقولة ( والمقبولة ). كنت أقول ولا يصدقني أحد، أني أنا، حتى أنا، سئمت رؤية صوري وأخباري على كل صفحة من كل جريدة. قال لي ولي العهد الأمير عبد الله بصراحته المعهودة مرة: لا أرى في الجرائد شيئا غير أخبارك. قلت لولي العهد: خرج الأمر من يدي.
قبلها بفترة وجيزة، كتبت رسالة شخصية إلى كل رؤساء الصحف، أشرح فيها أن هذا الاهتمام بدأ يسبب لي الكثير من المشاكل، وأرجو ألا ينشروا سوى بيانات الوزارة الرسمية. كان يجب أن أتوقع رد الفعل. نشرت صحيفة بمانشيت كبير: وزير الصحة يطلب من الصحف عدم نشر أخباره. كان الكثيرون وأحسبهم لا يزالون يعتقدون أن كل ما تنشره الصحف عني كان ينشر بناء على ترتيب مسبق . . .
لا يحتاج المرء إلى ذكاء ثاقب، ليعرف التأثيرات السلبية لهذه التغطية الإعلامية المحمومة. من القواعد الذهبية التي ألتزم بها ما استطعت: عامل الناس بمثل ما تحب أن يعاملوك به، وأنا لم أكن لأحب أن يعاملني وزير آخر عبر الإعلام بهذه الطريقة. لم أكن لأحب أن أقرأ الصحف، فأراها تتجاهلني وتركز على أخبار الوزير الآخر. ولم أكن لأحب أن أجد مقالا يطالب فيه كاتبه بالوزير الآخر وزيرا لكل وزارة بما في ذلك وزارتي.
ماذا حدث ؟ كيف تحول الاهتمام الإعلامي الذي بدأ منذ سنتين، في هذه المرحلة إلى ما يشبه الهوس؟ الجواب بسيط: ( ظاهرة النجم ). إذا تحول المرء لأي سبب من الأسباب إلى نجم، يتحول إلى مادة إعلامية مثيرة شاء أو لم يشأ، غضب أو رضي، فعل شيئا أو لم يفعل. كنت في هذه المرحلة، بلا تواضع كاذب، نجما أو شبه نجم. عندما قلت لولي العهد: خرج الأمر من يدي، لم أكن أكذب أو أبالغ. انقلب السحر بالفعل على الساحر. هنا نصيحة للإداري الناشئ: الإعلام سلاح فعّال، ولكنه ككل الأسلحة، سلاح ذو حدين “. انتهى الاقتباس

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى