تفجير لبنان وانكشاف النخب

تفجير لبنان وانكشاف النخب
د. كمال الزغول

في كل أقطار العالم ،عندما تحدث كارثة تعقد المؤتمرات وخاصة في دول الجوار لمساعدة البلد المنكوب ، لكن ما رأيناه خلال نكبات العرب هو شيء مختلف،بدءاً بغزو العراق عام ٢٠٠٣،وبالثورة السورية عام ٢٠١١ والثورة الليبية عام ٢٠١١، وانتهاءً بتفجير لبنان الأخير ،لكن ما رأيناه هو انتقال المسألة من مركزية الجوار والدين والعرق الى مصالح “اصدقاء سوريا” ،حيث عقدت مؤتمرات لأصدقاء سوريا ،شاركت فيها دول من جميع انحاء العالم ،حيث كان مركز الجوار العربي في حالة غيبوبة دامت ٩ سنوات.
اليوم ،المرحلة أصبحت مختلفة ، وخاصة في المسألة الليبية ،فهناك تحول هائل بطريقة التدخل ،بدأت بالناتو الذي صاغ لها عقدا عشوائيا كما فعلت امريكا في العراق ،وتخطت مسألة مؤتمرات “الأصدقاء” لليبيا ،لتصبح اطرافاً متصارعة بصيغة عسكرية على الارض الليبية، وما يحدث الآن هو الإنفكاك الشرق اوسطي عن مركزه ،وتحول كبير في قضايا الدول الأفرومتوسطية عن مركزهم التماسكي وانفكاكهم عن العمق الحقيقي لبلدانهم.
ما دعاني لكتابة هذا المقال ،هو تفجير لبنان وتداعياته ومخرجات الدمار الذي حلّ بمدينة بيروت ، وما أثار فضولي هو الإنفكاك العفوي من مركز الشرق العربي والتقرب من المحور الأوروبي وخاصة فرنسا أحد اطراف سايكس-بيكو المشؤومة ، حيث بدا الالتحام والشوق لعصر الاحتلال والاستعمار واضحا جدا خاصة بعد زيارة الرئيس الفرنسي ماكرون الذي يعرف جيدا حجم العاطفة العربية ،ماكرون جاء ليساعد لبنان ولم يأتِ لكشف سبب الإنفجار ،هذا يدعونا لأن نتفكر في اسباب ظواهر الإنفكاك في دول الشرق الأوسط من مركزها العربي والمتوسطي والهجرة السياسية غير الشرعية نحو الاستعمار.
للإجابة على سؤال كيف هاجرت عواطف الشعوب قبل الإنظمة نحو فترة الاستعمار وفضلت الأقل ضررا على الضرر المباشر من النخب؟، علينا قراءة ما صنعته تلك النخب التي تدربت على يد ذاك المستعمر ، ففي سوريا انتقل النظام من الحضن العروبي القومي الى الحضن الفارسي التوسعي مهاجراّ هجرة ليست بالشرعية، متناسيا حق الشعب في تقرير مصيره وقضاياه العادلة ، وهذا ما حدا بنخب العراق أن تستورد السياسة من بلاد فارس خاصة بعد غزو العراق عام ٢٠٠٣.
لبنان الصامد بعد نكبته في الحرب الاهلية ، تجرّع الموت على يد المحاصصين الخارجين على قانون الحياة الذين دمروا مصالحه الاستراتيجية، ففي الماضي قصف النظام السوري مواقع ” العماد” عون ،وعندما أصبح رئيسا ،تناصر مع حزب الله ،واستمرّ حتى أيام التفجير هذه ..يا لهذا التناقض المرير، كل ذلك سببه عدم معرفة الهدف ،ونظام المحاصصة وفقدان الذاكرة المركزية للقضايا العربية ،وما آل اليه سوء ادارة المال العربي، وما نشهده الآن هو طرد عن المركز بإتجاه الأصدقاء الدوليين، ومن ثم فتح ابواب جديدة نحو تدخل خارجي جديد بِصيَغ جديدة ،كالمساعدة، والصداقة، وابعد من ذلك ، استئجار دولا خارجية لمحاربة الفساد للنهوض بالانظمة التي هي ضمانة تجديد لسايكس-بيكو.
في المحصلة ، سبب الهجرة السياسية غير الشرعية الى خارج المحيط الذاتي للدول هو أفول نجم المشروع القومي العربي، وتدهور حالته ، فلم تجتمع جامعة الدول العربية بعد تفجير لبنان مباشرة،وكان السبّاقون هم على مستوى القُطر من العرب لأن الجامع بينهم ضعيف،مما أدى الى إعطاءالدول الأوروبية التي أُعطيت رتبة مستعمر “مستأجَر”بدون تواجد عسكري بسبب قوة الطرد عن المركز لدى سياسة دول المنطقة ،واصبحنا أمام تجديد لنسخة سايكس-بيكو وأمام هجرة سياسية لأحضان الأب الحاني المستعمر القديم سواء كان فارسيا ،أو اوروبيا “برواسرائيليا” من خلف الكواليس فتفجير لبنان أدى الى انكشاف نخب سايكس-بيكو داخليا وخارجيا ، وما بعد الإنكشاف تظهر صعوبات جمة ستقاوم نهوض اللبنانيين لكنهم حتما سينهضون، لأن سبب الإنفجار بدأ يحتضر سياسيا وعسكريا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى