إربد- أحمد الخطيب – في أمسية شعرية انتظم فيها الإيقاع الشعري المصحوب بتراتيل المفارقة اللغوية، واللجوء إلى غرفة الخيال، قدم الشاعران تركي عبد الغني وأنور الأسمر، مساء أول من أمس قراءات شعرية، نظمها ملتقى شرفات الثقافي، بالتعاون مع جريدة الأفضل وأكاديمية التميز، في قاعة غرفة تجارة إربد.
الأمسية التي أدارت فعالياتها د. شذى غرايبة، وحضرها حشد عريض من محبي الشعر في حاضرة الشمال، التقطت في عبورها إلى المساحات الشعرية وارفة الظلال، لغة صافية، وحواراتِ وجودية وإنسانية تتكئ في بنائها على محفزات الذات الفردية والجمعية، في طريقها لتقديم مضامينها بطريقة متمردة.
الشاعر الأسمر قرأ أكثر من قصيدة لخصت حكاية التراب، والأم، والمحو والإثبات، في إطار التعويض عن إيقاع الشعر الخارجي الذي أفسح المجال لقصيدة النثر أن تأخذ مكانتها في قصائد: أنا ظلي، كن على حذر من المرآة، تعبت مني، ما أجملها نائمة، التراب، وأنت إذ تكتب على الريح، ووحدك أنت والعاصفة»، ومن أسرار قصيدته « ما أجملها نائمة» هذا النشيد:
« لم نتفق بعد
لأسوي من الحزن منديلا
وأخفي سوءتي
عن ضربة الرثاء القاسية
ما زال عظمي طريا
لم أجهز سلاحي
لمواجهة الغياب»
وفي فضاء المكابدة تابع صاحب « مرثاة الغريب» انشغاله في تفصيل أثواب الحياة، ورهبتها، متمثلاً ما يرشح عن الأرض والتراب، ومن أجواء هذا التمثل:
يا تراب
يا فرس الباحثين عن الفضاء الحر
يا طائر الدمع الذي يحملني لبدايتي
من أنت؟
يا قميصي الذي قدّ من دُبر ومن قُبل
يا سرّ خطيئتي
وفضيحتي في الحب
من أنت؟
لتعطينا فراتك
ونعطيك موتى».
ومن جهته قرأ الشاعر عبد الغني باقة من قصائده التي بناها على وتر الصدمة والتمرد، ووتر المشاكلة الشعرية، بإيقاعات قناصة، لا تنثي لديها اللغة بل تستحوذ على بنيتها الفنية القابضة على فكرة التوحد بين المعطى الدلالي، والتشكل الصوري للمضمون، قصائد اتخذت من الوجود أسباب رقيها إلى ملامح النقض والاتفاق، فامتثلت قصائد « الشيء، اغتراب، رسل الظلام، حرائق الرحيل، سفر التراب» هذا النهج الشعري الطامح إلى خلخلة السائد من القول، ومن أجواء هذه الأنساق ما جاء في قصيدة « اغتراب»:
« أنا لهب وارتعد
أنا ثلج على ثلج
وأتقد
أنا شيء عن الأشياء منفصل
وبالأشياء متحد
وبي أفراحي الثكلى
وبي أحزاني الحبلى
إذا ما زحزحت..تلد
أنا وسطية
عبثية التكوين فيها الشك معتقد»
وتابع صاحب ديوان « حقائب الطين»، الذي يصدر قريبا عن هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث، بحثه في عروق الوجود عن دم المعنى الذي يسبح لأجله في بحور الشك واليقين:
« كفى بك أن يمرّ عليك طيفي
لتلمح في مرايا الريح نزفي
أعيشك ما انثنيتُ، وكلّ لحظ
يطلّ عليّ من عينيك حتفي
فقد كنا التقينا ذات حظّ
على جسدين من منفى ومنفي
تلوّح فوق كتفي ألف عمر
كأنّ الموت مُلقى فوق كتفي».
أ.ر