الجد والأسباط ووسائل التواصل / د. محمود الحموري

الجد والأسباط ووسائل التواصل

الجد الجليل ضابط متقاعد برتبة رفيعة، كان “عطوفته” يدير أحد الأسلحة الميدانية في جيشنا العربي. يزوره اسباطه من أبناء بناته وبناتهن على الأغلب، فرادى وجماعات لأيام واسابيع خلال إجازتهم الصيفة.
الجد مضياف كما كل الجدود، ويسعد بزيارتهم، كما يستوفي عواطفه الجياشة معهم والترحيب بهم كلما جلس إليهم، فيبادلونه إياها كلما دخل وخرج، وقبيل خلوده للنوم في القيلولة وعند صحوتهم بعد الظهر.
لكن اسباطه منشغلون بموبايلاتهم، وكل له في استخدامها شأن يغنيه. يحدثهم الجد الجنرال عن الماضي وبطولات جيشنا العربي في معركة الكرامة وهم سادرون، ويروي لهم بطولات المسلمين في غزوات بدر وأحد ولا ينتبهون. يدعوهم للطعام وهم بشاشات أجهزتهم ساهمون، وكلما دخلوا بيت الأدب، يصطحبوا موبايلاتهم، ولا ينامون إلا قليل من الليل، قبيل الفجر ويصحون بعيد الظهر وهم منكبون كل على جهازه بكل تركيز.

الجد يؤنبهم ويزجرهم فيدخلوا فراشهم وهم لأجهزتهم متابعون، يضيق صدر الجد المغوار بممارساتهم – وهو الذي كان يقود الحرب في الميدان بكل اقتدار-وينصحهم في كل وقت وحين وهم لا يستجيبون.
يحدثني صديقي الجد “الجنرال السابق” عن همومه ومعاناته الخاصة، حيث اتمشى وإياه بعد صلاة الفجر، ويسرد لي بكل روية وتندر ذكرياته السابقة عن سفر الانضباط والاطاعة للجنود بزمانه الذي قد أفل، ويقارنه بهذا الزمان الذي يحول به”الجهازه الخليوي” بين النشء وبين ولائهم واطاعتهم لأمهم وابيهم.
أما بعد صلاة الفجر” أول من امس” فقد حدثني الجد عن عودة إحدى بنات كريماته المتزوجة حديثاً” “وهي حردانة” لمنزله، وقد تركت بيت زوجها، بسبب ضربة كف منه لها، وبسسب انشغاله الدائم بموبايله، وعززت أسباب حردها، بتقصير الزوج عن القيام بواجبات بيته، وبأنها محضور عليها الاطلاع على جهازه بسبب وضعه للرقم السري عليه.
وعندها طلب الجد الجنرال المصلح زوجها ليستوضح الأمر ويؤنبه، فكانت شكوى الزوج من زوجته الشابة، بأنها لا تستجيب لطلباته، وبأنها دائمة الانشغال بجهازها ونادرا ما تعد الإفطار له كما ينبغي بسسبب تأخرها في نومها …
توسط الجد الجليل لرأب الصدع وأدار الأزمة وقد أعادها لبيت زوجها ولديه إحساس بأنه قد أدار الأزمة ولم تحل…
وخلاصة القول بكلمات صديقي الحائرة، أن الجنرال الجد قد عبر لي عن عدم ارتياحه وانسجامه مع هذا الزمان …

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى