
إلى أمي : في عرش الغياب !!
عرش الغياب ، عنوانة لإحدى مقالات الأستاذ منصور ضيف الله، العنوان لافت فهو يشخص الغياب ، ويجعل لسطوته عرشا ، ولقسوته هيبة وجلالا …
وثمة فتية غابوا وراء الغيم ، حاولوا عبور حدود الزمان والمكان ، واقتحام ما ليس بالإمكان ، فماتوا …اختاروا نهايتهم واستقروا في عرشهم ، يرقبون في انتظار العبور الأخير ….
ولأن الشئ بالشئ يذكر ، فثمة غائبون ، يطالعوننا ونطالعهم ، هناك في الأفق البعيد ، في عرشهم يرقدون .
مناجاة …. أيتها الغائبة في عرشها !!
أماه..أيتها الغائبة الحاضرة ، الراحلة القادمة ، الآخذة من الجمال بكل طرف ، الآسرة القلوب من غير خوف ….
هل ما زالت عيناك الخضراوان تلتمعان حنانا ؟
هل ما زالت يداك طريتان دافئتان ..أكاد أحسهما تلتفان حول وجنتي ….
أماه ..لو كل نساء الأرض الأرض شاخت تبقين فتية ، صبية حالمة ؛ فقد رحلتي وأنت في قمة العطاء ، وفي أوج البهاء …
رحلتي نعم رحلتي ورحل معك كل الهناء !
الألوان يا أمي ، ما بالها ؟!
هل استرقتي معك ألوان الوجود ؟
أم انسلت الألوان من عيني مع كل قطرة من آخر قطرات دمعي ..
الكون صار باهتا ..روب تخرجي كان رماديا ، بقولون : كانت زهوري جميلة ملونة ..إلا أني رأيتها بائسة ذابلة…
وطرحة زفافي لا أدري لم كانت تذكرني أكفانك.. ونقاءك.. وطهرك …
هل تعلمين أي يتم ..وأي انكسار ،بعدك أمسيت غصنا تائها عصفت به الأقدار ..
ضامرا يباسا تتحاذبه الريح يمينا شمالا …
تمضي السنون على غيابك ، ولكنها تختزل مع كل لحظة ذكرى !!وكل حاجة لمأوى ..وكلما نادى مناد : ماما !!
ينكأ الجرح ، ويتبدد الفرح ، وتحضرين ببهائك ، وعنفوانك ، وعشقك للحياة ..
أهكذا مصير العاشقين : وداع بلا انتهاء .
أسمحي لي في هذه الليلة ، أن أطالع سماءك …أبحث عنك ، أراك جالسة في عرش غيابك ، ولكن أجدني تكل عيني وأخضع لسلطان الموت وسطوة الغياب ، والآن سأمضي ، ولكن هل من عتاب ؟؟
أما كان أحرى أن تتركي لي سلوتي ؟
فأنت لم ترحلي بلا رفيق ..
ثمة رجل انسكبت فيه صفوة الرجال …
حواهم وفاقهم أنسا ورقة وصدقا.. بل حوى كل المعاني الجميلة في روعة أنسان …أراه صار رفيقا لك الآن …
فاستحال من بعدكما الامن والحنان …
لكن رغم فجيعتي …لن انتحب ، لن انهزم ، ولن أخسر جولتي ….
لن اختار موتتي ، و سأرتقي ..ولكن أدعو ألاهي ومولاي أن يجمعني بأحبتي في مستقر رحمته ..حيث لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ….