دافعية المتعلم… أين يكمن الخلل؟ / د. منصور محمد الهزايمة

دافعية المتعلم… أين يكمن الخلل؟

كثيرا ما يشغل بالنا من مختصين ومهتمين وغيورين محاولة البحث عن إجابة أسئلة مثل: لم لا تصل نظم التعليم في أوطاننا إلى تحقيق الغايات والأهداف الكبرى؟ لم لا تسعي إلى تعديل نفسها بنفسها؟ وغالبا ما يقع الإبداع في توصيف الخلل لكنه يقف عاجزا عن اجتراح الحلول.
قائمة مشكلات التعليم فيما يسمي دول العالم الثالث والتي تحتضن كافة أقطار العروبة والإسلام لها بداية وليس لها نهاية بحيث تجعل من المتعذر يقينا وضع اليد على الجرح ويتبدى ما يشبه المستحيل باجتراح نظام تربوي يصنع المعجزات. من دافعية المتعلم إلى تأهيل المعلم ومن البيئة المدرسية إلى البيئة الصفية إلى وسائل وأساليب التعليم واستخدام التقنيات ومنافسة مؤسسات كثيرة للمدرسة وهموم الأسرة يبدو أن أنظمة التعليم قد دخلت في حلقة مفرغة تكاد تفضي إلى دائرة السلبية والفشل.
بعيدا عن الشعارات وبمقاربة مع الواقع يظهر أن ما نصبو إليه أقرب إلى الأحلام منه إلى الواقع المنشود. يكثر الحديث-معظم الأحيان- لدى العاملين والمهتمين عن ضعف الدافعية لدى المتعلم بأنها من الأمور التي تقع في دائرة الإجماع بحيث يبدو أننا نسلم بها كواحدة من أهم الإشكالات.
إذا حاولنا أن نحدد الأسباب الخاصة بغياب الدافعية قد نسمع الكثير من الآراء لكن المسألة ربما لا تحتاج إلى فلسفة عميقة وتتلخص بغياب المشروع لدى فاقدها يضاف إليها أن الطالب لا يمتلك أدوات تعلمه بنفسه مما يجعله يفتقد أسباب النجاح وهنا تحديدا – أي في النقطة الثانية – تقع مسئولية الأنظمة التعليمية التي لا تميز بين عمليتي التعليم والتعلم علما بأن الفرق بينهما لا يعد غريبا في الأدب التربوي.
ما زالت الممارسات تنحو بعيدا غير آبهة بالفرق بين التعليم والتعلم فهّم الأول أن يمهد الطريق للثاني ويلزم أن نصل إلى قناعة بأن المتعلم الذي يمتلك أدواته الخاصة والمهارات الذهنية اللازمة من ملاحظة وإدراك ستزيد الدافعية لديه حتما. لا يمكن التسليم بأن الفشل قدر محتوم لنسبة كبيرة من الطلاب بحجة فقد الدافعية دون التأمل في الممارسات التربوية والتعليمية والأسرية بل حتى الأعراف المجتمعية.
نهضة التعليم تقتضي منا أن نعيد النظر جذريا في كل ما يتصل بالعملية التعلمية التعليمية بحيث يقع التركيز-أولا- في تحديد فلسفة وهوية التعليم الذي نريد و-ثانيا- في تحديد أي مخرجات نريد. التنمية المستدامة والاقتصاد المعرفي والإصلاح عناوين رئيسة تقع على رأس الأولويات لكل دولة أو أمة تسعى بهمة إلى نهضتها وأداة التغيير تتمثل في نظام تعليمي يساير العصر مدعوما من جميع مؤسسات المجتمع المدنية والحكومية.
ما زال تعليمنا على الرغم من كل ما ندعيه من تطور وما دخل عليه من وسائل العصر يقف عاجزا عن صنع فارق في دافعية المتعلم وما زلنا عاجزين عن تشخيص الداء ووصف الدواء فتعليمنا ما زال يمارس قديمه لكنه يتجمّل بثوب جديد. التلقين والحشو والتقليد ما زالت بضاعة رائجة تدل على أن أنظمة التعليم لا زالت تئن تحت وطأة ما ابتليت به منذ زمن.
يفترض أن التعليم في ثوبه الجديد يركز على العملية التعلمية بمعنى التشديد على امتلاك المتعلم أدوات تعلمه الذهنية الخاصة به وعلى رأسها أساليب التفكير والملاحظة والبحث والاستكشاف فخصائص المتعلم وأساليب تعلمه هو أحد المدخلات الرئيسة في التعليم أما نمط المعلم فيجب أن يتلون بحسب أساليب المتعلمين فمن غير المجدي أن نعامل غير المتساوين على أنهم متساوون.
لعله من الجنون حقا أن تبقى أنظمتنا التعليمية تكرر نفسها وفي الوقت نفسه تتوقع أن يكون الحصاد غير الزرع.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى