محمد علي يرفع الراية.. لماذا اعتزل الرجل الذي حرّك الشارع المصري؟

سواليف
بعد ساعات قليلة من مرور الذكرى التاسعة لثورة 25 يناير بدون حراك شعبي فعلي على أرض الواقع لمواجهة نظام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الذي يحكم البلاد بقبضة من حديد؛ أعلن الفنان والمقاول الشاب محمد علي انسحابه من المشهد برمته واعتزاله السياسة نهائياً.

قرار محمد علي شكل صدمة في مختلف الأوساط المصرية، خاصة أنه فرض نفسه بقوة على الساحة السياسية قبل 5 أشهر فقط، وتحديداً أوائل سبتمبر من العام الماضي؛ عندما كشف عن قضايا فساد وإهدار للمال العام كان بطلها السيسي وزوجته انتصار، فضلاً عن كبار قيادات المؤسسة العسكرية المصرية.

وفتح الانسحاب المفاجئ والسريع للفنان والمقاول المصري من المشهد السياسي الباب على مصراعيه أمام تساؤلات وتكهنات حول المعارضة المصرية ومستقبلها، علاوة على مصير عشرات الآلاف القابعين في سجون السيسي، فضلاً عن كيفية انسحاب هذا القرار على النظام الحالي الذي امتلك زمام الأمور منذ الانقلاب العسكري، صيف عام 2013.
انسحاب سريع

ومساء السبت (25 يناير 2020)، أعلن محمد علي اعتزاله العمل السياسي نهائياً، وإغلاق صفحته على “فيسبوك”؛ مرجعاً السبب إلى عدم خروج الشعب المصري رغم دعوته للتظاهر ضد النظام الحاكم والمطالبة بالإطاحة برأسه، وذلك في الذكرى التاسعة لثورة يناير.

وقال محمد علي في مقطع مصوَّر بثه على صفحته بـ”فيسبوك”: إن “عدم خروج مظاهرات في مصر يعني أحد أمرين: إما رضا الشعب المصري عن النظام، وإما الخوف من القمع”، مؤكداً أنه أدى دوره في الفترة الماضية،

وشهدت الميادين الكبرى بالمحافظات المصرية، خاصة في القاهرة، استنفاراً وتشديدات أمنية مكثفة، وكمائن تفتيش ثابتة ومتحركة ظهرت بشكل لافت في الشوارع المؤدية إلى ميدان التحرير، قِبلة الثوار في يناير.

وتكثفت حملات الاعتقال خلال الأيام الماضية، لتطول قطاعات شبابية مختلفة، كان أبرزها مجموعات تنتمي إلى رابطتي مشجعي النادي الأهلي (ألتراس أهلاوي) ونادي الزمالك (وايت نايتس)، وأخرى تنتمي إلى حركة “6 أبريل”، فضلاً عن إعادة اعتقال عدد ممن سبق اعتقالهم والقبض على آخرين في حملات تفتيش عشوائية.
تحركات غير مسبوقة

واستحوذ الفنان والمقاول، الذي كان أحد العاملين البارزين في مشاريع الجيش قبل انشقاقه، على اهتمام إعلامي كبير، في بداية ظهوره عندما كشف في مقاطع فيديو متتابعة عن تورط السيسي وزوجته، في قضايا فساد من خلال بناء قصور رئاسية ومشاريع شخصية، علاوة على مجاملات بين أركان النظام، رغم الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي يمر بها الشعب المصري.

ونجح محمد علي في كسر حاجز خوف الشارع المصري؛ إذ خرج الآلاف، في 20 سبتمبر 2019، بمظاهرات غير مسبوقة طالبت برحيل السيسي وهتفت ضده في ميادين وساحات مصرية في مختلف المحافظات، كما مزقوا صوره في الشوارع وداسوها بالأقدام.

ووصفت وكالة “رويترز” تلك التظاهرات بأنها “نادرة” و”غير مسبوقة”، خاصة أنها أتت رغم القبضة الأمنية التي انتهجها السيسي منذ انقلابه -عندما كان وزيراً للدفاع- على الرئيس الراحل محمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب ديمقراطياً في تاريخ البلاد، صيف عام 2013، وحتى بعد توليه الرئاسة، بعد عام تقريباً.


وثيقة التوافق الوطني

وقبل شهر من إعلانه اعتزال السياسة كشف “علي”، الذي وصفته صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية بأنه “الرجل الذي وضع يده على الجرح”، عن “وثيقة التوافق المصري”، التي ستمهد مستقبلاً لإسقاط نظام السيسي، وذلك بعد لقائه ممثلين عن جميع التيارات السياسية والفكرية.

وتضمنت الوثيقة نقاط عمل مشتركة بين مختلف الفرقاء بعيداً عن مَواطن الخلاف؛ للعمل على “إنقاذ مصر وعودة الحرية والكرامة والعدالة”، من خلال “تغيير النظام الحاكم المسؤول عن القمع والفساد” و”إطلاق سراح السجناء السياسيين، ومعتقلي الرأي، وإسقاط القضايا الملفقة ضدهم”.

وحملت الوثيقة أيضاً “الدخول في مرحلة انتقالية، وإعادة هيكلة الشرطة وإخضاعها لرقابة القضاء، ونقض الاتفاقيات التي أبرمها النظام مع الخارج”.

وتعرض محمد علي لهجمة إعلامية مسعورة من الأذرع الإعلامية لنظام السيسي، كما تعرضت عائلته وأسرته لضغط شديد، على غرار استضافة والده في إحدى القنوات المصرية المؤيدة، للتبرؤ من أفعال نجله، ونفي كل ما جاء على لسانه.

كما كشف المقاول المنشق عن تعرضه لتهديدات بالقتل، علاوة على محاولة استدراج وصفها بـ”الفاضحة”، قادتها السفارة المصرية في إسبانيا للتخلص منه، ما فتح تساؤلات حول إمكانية التخلص منه مثلما فعلت السلطات السعودية التي قتلت مواطنها الصحفي جمال خاشقجي في قنصلية المملكة بإسطنبول في أكتوبر 2018.

وقال: إن “السفارة المصرية بمدريد أبدت استعدادها الكامل لدفع المستحقات المتأخرة له نظير مشاريعه التي نفذها لمصلحة الجيش، مقابل خروجه بإعتذار عن جميع اتهاماته بحق السيسي وزوجته”.

وإلى جانب الهجوم عليه إعلامياً ومطاردته ميدانياً، تعرض الفنان الشاب لملاحقة قضائية؛ إذ قضت محكمة جنايات القاهرة، في 9 ديسمبر 2019، بسجنه 5 سنوات وغرامة مالية قدرها 50 ألف جنيه (3100 دولار)؛ بعد إدانته بالتهرب الضريبي.
أراد التغيير ولكن!

يقول الكاتب والمحلل السياسي ياسر عبد العزيز: إن “محمد علي هو جزء من حالة تعيشها مصر منذ انقلاب العسكر عام 1952؛ لكونه أراد أن يُخرج الشعب من دوامه الإقطاع والقمع والتهميش بعدما ذاق ظلمهم بعد أن ذاق نعيمهم”.

وأوضح، في حديث لـ”الخليج أونلاين”، أن الفنان والمقاول محمد علي “أراد التغيير فلم تسعفه الأوضاع”، موضحاً أن “محمد علي المقاول والممثل لم يكن يوماً سياسياً، ولا يعرف أساليب السياسة وألاعيبها”، مبيناً أن الرجل “مثّل حالة في النهاية كان يجب على المعارضة استثمارها، وهو ما لم يحدث”.

ويعتقد المحلل السياسي المصري أن علي “تسرع وفُتن في نفس الوقت مرتين؛ الأولى عندما فتن بالحشد الشعبي والتظاهرات التي خرجت في سبتمبر 2019، والثانية عندما فتن على يد من دفعه لتصدر المشهد بغير ترتيب وتكتيك ومن غير التنظيم اللازم لمرحلة مهمة في توقيت حساس”.

وأوضح أن “المرحلة الحالية لم تكن لتتحمل الخروج بالشكل الذي دعا إليه محمد علي ظاناً تحقيق النتائج”، مستشهداً بما حدث قبل ست سنوات من ثورة يناير من جهد وعمل وتنظيم وتجميع واتفاقات وتحشيد وتوعية.

واستطرد موضحاً أن مرحلة التحشيد لثورة يناير “بدأت بحركة كفاية، و6 أبريل، والجمعية الوطنية للتغيير، إلى جانب ما صاحبها من إضرابات واعتصامات وتظاهرات، فضلاً عن كوادر شابة تعرف كيف تتعامل مع الحراك حشداً وتأميناً”.
المعارضة المصرية

وحول انعكاس قرار محمد على أجنحة المعارضة المصرية، يقول الكاتب السياسي إنه لا يُمكن أن يُطلب مما أسماها “المقاومة السلمية” الانسحاب من المشهد، سوى تلك القيادات “التي لم تحسن استخدام الظرف والفرص من قبله”.

وأوضح لـ”الخليج أونلاين” أن فعل الثورة أبعد من فكر قادة المعارضة الحالية؛ “لكونها تحتاج من الجرأة ما يصل حد التهور المدروس ويحتاج إلى طاعة لقيادة واعية ومرنة تستطيع أن تناور في الوقت المناسب وتحاور في الوقت المطلوب، وترفع السقف حين يكون الوضع يحتاج وتتراجع إن لزم الأمر”.

وعدد المحلل السياسي “عبد العزيز” أسباباً لفشل الحراك الذي نادى محمد علي بخروجه في ذكرى ثورة يناير، من بينها استعداد النظام على جميع الجبهات من خلال استباقه التظاهرات بعمليات اعتقال واسعة لوأد أي قيادة يمكن أن تظهر على الساحة”.

كما أشار إلى أن إعلام النظام المصري الحالي قدم عملاً جيداً لـ “ضرب المعنويات وقتل الروح”، لافتاً في الوقت عينه إلى “عملية تحشيد قادها النظام للشعب في وهم الحرب في ليبيا، وأن لا صوت يعلو فوق صوت المعركة”.
أما على صعيد المعارضة، فأنحى باللائمة على ما أسماه “فتنة وائل غنيم، وظهوره في هذا التوقيت لضرب الصف المعارض”، موضحاً أن “الأخير استخدم أسلوباً دقيقاً ومحسوباً، ما يؤكد أن الأمر كان مرتباً له مسبقاً”.

وكشف أن “البعض تأثر داخل المعارضة بما قال وائل غنيم ومنهم من كانت له أجندته، وهو ما استفاد منه النظام”، مؤكداً أن نظام السيسي “لم يكن بهذا الرعب الذي حاول البعض تصويره من محمد علي”.

وحول الخيارات المتاحة أمام المعارضة المصرية لتحركات فاعلة على الأرض رغم القمع، قال المحلل لـ”الخليج أونلاين”، إن “بناء الحاضنة الشعبية الواعية أهم بكثير من الثورة؛ لأنها هي التي سترفع الثورة وتدفعها، وبغير ذلك لن يكون الحراك”.

وشدد على أن “أعمار الأمم لا تقاس بالأيام، والثورة الفرنسية مرت بمراحل من النجاحات والإخفاقات والخيانات والتضحيات حتى أصبحت أعظم الثورات التي رآها البشر، وثورة يناير غيرت الكثير؛ ليس مصرياً فحسب بل عربياً وإسلامياً”.

المصدر
الخليج اونلاين
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى