مـيـن يشهَـد للعروس / د . ناصر نايف البزور

مـيـن يشهَـد للعروس
كثيراً ما يستخدم أصحابُ عِـلـم الأصول وعلم الفقه بل والقانون القاعدة المشهورة “ما هو معلومٌ من الدين بالضرورة” للتدليل على كُلِّ ثابتٍ من أبجديات المعرفة والحياة التي لا يُعذَر الإنسان بجهلها؛ فهي بالتالي المعرفة التي لا تكادُ تغيب عن عاقل، بل وتكون بمثابة ما أجمَعَ عليه الناسُ صغيرهم وكبيرهم!

ومن هُنا، فإنّه من المعلوم من الدين بل و منَ التين والطين والعجين بالضرورة أنَّ الأمَّ التي تُريد أن تخطب لابنها تقوم بمهمّة الاستطلاع الاستخباري بسؤال جميع نساء الحي والمنطقة عن العروس؛ ومن ثمَّ تقوم بمهمّة التمحيص و الكشف المباشر عن الفتاة المزمع شرائها- أعني خطبتها! ولا تَـقـنُع أم العريس إلاّ إذا كنت الفتاة “فُل أبشِن”!

فلا يوجد أم عريس مهما كانت حمقاء وبلهاء تكتفي بسؤال أم العروس نفسها عن ابنتها لأنَّ الجواب معروف والشهادة مضمونة ومجروحة، وكما نقول في العاميّة: ” مـيـن يشهَـد للعروس؟”!!! فلو كانت الفتاة حولاء، لقالتْ أمُّها عنها “حوراء”! ولو كانت سقيمة هزيلة بلا لحمٍ، لقالتْ أمُّها عنها “هيفاء ممشوقة”! ولو كانت سمينةً كالفيل، لقالتْ أمُّها عنها “مُكتنزة كالغزال”! ولو كانت سوداء كباراك اوباما، لقالتْ أمُّها عنها ” مليحة كأنجلينا جولي”! فكُلُّ مثلبةٍ وعيبٍ ونقيصة تتحول من منظور والدة العروس إلى كمالٍ وجمالٍ و ميِّزة!

هذا ما حصلَ معي بالأمس! فقد استمتعتُ كثيراً وأنا أُتابعُ برنامج المطبخ السياسي على شاشة التلفزيون الأردني والذي استضاف نائب رئيس الوزراء السابق والعين الحالي الدكتور محمّد الحلايقة والذي كان أحد نجوم الاقتصاد الأردني في مطلع الألفية الثالثة، والذي يُعتبر أحد أكبر العقول المدبِّرة الثلاثة لبرنامج التصحيح الاقتصادي والخصخصة في الأردن! ففي عهد وزارته، تمَّت خصخصة وبيع مُعظم المؤسسات الوطنية العامة المتعثِّرة “اللي مش جايبه هَمّها” كالاتصالات، والبوتاس والفوسفات!

وعندَما سألتهُ مقدِّمة البرنامج عن رأيه بالخصخصة التي قام هو بتنفيذها في الأردن وعن رأيه في سبب غضب الشارع الأردني من الخصخصة، أجاب معاليه فأوجز وأفاد إذ قال: “الخصخصة كان لها فوائد عظيمة… وقد … وقد يكون لها أحيانا بعض المشاكل البسيطة… فالشعب غضب منها لأنّه اعتقد خطئاً أنَّ هذه المؤسسات تمَّ بيعها… شوفوا كيف كانت الاتصالات زمان… كان الواحد يحتاج أربع سنين للحصول على تلفون أرضي…أمّا الآن… أمّا الآن … أمّا الآن …”!!!

كلام دقيق في الصميم –واللي مش مقتنع يشرب مَيّة البحر المَيّت- فالخصخصة عادت على الأردنيين بالنفع والخيرات والتقدُّم والبركات في كُلِّ المجالات!

لكن معاليك لو سمحت لي بهذه المُداخلة البريئة! فقد كان ابني “كودو اللي بالحضانة” يُتابع مضطراً اللقاء مع معاليك؛ فقد كان ينتظر نهاية البرنامج ليتمكَّن من مشاهدة “كرتون شرشبيل والسنافر”؛ لكنني أقنعته أنَّ هذا البرنامج أكثر تشويقاً وإمتاعاً من مشاهدة المشعوذ شرشبيل! وقد انسجم أبو الكود مع البرنامح واقتنع بكلامي، لكنّه في النهاية سألني مجموعة من الأسئلة التي لم أستطع الإجابة عليها فأنا غير مُطَّلع على أسرار ودهاليز علم الاقتصاد الذي لا يعرفُ مكنونه أحد كمعاليكم!

فقد قال لي المحروس كودو: “بابا المصاري اللي باعوا فيها هاي المسسات (عذراً فهو لا يستطيع لفظ كلمة مؤسسات) كانت كثيرة؟ وين راحت المصاري؟ مين اللي اشترا هاي المسسات التعبانة؟ هو صحيح لو ما باعوا هاي المسسات كان ما في عندي تابلت هسَّه؟؟؟”

حاولت التذاكي والمماطلة، لكنَّ كودو ادرَكَ أنني لا أمتلِكُ جوابا مُقنِعاً! فشعَرتُ وكأنَّني “سنفور غـبي”؛ فطأطأتُ رأسي وشعرتُ بالخزي لأنني لم أستطعْ أنْ اجيبَ أو أن أُقنع ابني الذي لا يعرف عن الاقتصاد سوى كيفية العد من واحدٍ حتَّى عشرة!

فمتى يُدركُ مسؤولونا أنَّ الأردُن فيها قامات سامقة من المُتعلِّمين والمثقَّفين ممن يكبرون كودو في المدارس الأساسية والثانوية، وأنَّه ليس من السهل اقناعُ هذه العقول بمنطق الحواتيت المُمِلّة ولا بمنطق النعامة والرمل!!؟؟؟!!! واللهُ أعلَمُ وأحكَم!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى