نصف مشهد من ثورة يناير !! / أمير شفيق حسانين

نصف مشهد من ثورة يناير !!

كانت وجة مصر المحروسة غاضباً ، وكانت الدماء تفور في شراينها ، وكانت مشاعرها تلتهب حُزناً وكُرهاً وتألماً ، لما وصل إليه حالها من سوء وانتهاك للحقوق ، وانتشار الظلم ، وقمع للحريات ، وإعتقال الآلاف والزج بهم في السجون بدون ذنوب اقترفوها . كانت الدولة المصرية الصامدة الثبورة تحترق ، وتتفحم دفاعاً عن ما تبقي لديها من كرامة ، ولعلك رأيت القتلي والجرحي يملئون شوارعالقاهرة ، والدماء تغطي أماكن تواجد الثوار ، والجثث مجهولة الهوية أما تجدها متناثرة أشلاؤها في ميدان التحرير وما حوله أو تم نقلها إلي ثلاجات حفظ الموتي ، حتي يحضر ذويهم لمحاولة التعرف عليها واستلامها ، لسرعة دفنها .
كانت لعنات الضعفي والنساء الثكلي تتصبب بحرارة خالصة من القلب ، علي الظلم وأعوان الظلمة ، وعلي حالة الظلام المجتمعي والفقر الذين ملئا الأرجاء بسبب النظام اللامبارك الفاسد التي استوطن بجذور ضاربة في بطن الوطن ، مدة قاربت ثلاثين عاماً ، ولم يكن يجرأ شخص مهما كانت هو ، أن يثور في وجة هذا الرجل ، أو يُنبهه أن هناك موت وحساب وثواب وعقاب . لم يُنبه أحد حاكم البلاد قبل ثورة يناير المجيدة ، بأنه قد حان الوقت ، بل تأخر كثيراً وكثيراً ، لأن يرحل في صمت ، ويترك السلطة والدولة لغيره ، لعل من يخلُفه يقدر علي أن يصلح ما أفسده ذلك المعمر في مُلكْ مصر .
وكانت معجزة هائلة أن تقوم ثورة شعبية تهدد نظام الحكم وتخلعه في غضون ثمانية عشر يوميا فقط ، ولم يكن لفرعون مصر اللامبارك أن يرحل إلا بثورة حاشدة قدر الإمكان ، وبغضب شعبي لا ينطفئ ، وبقوة جماعية لا تنكسر أو تضعف ، ولا تخشي الموت بكافة صوره وأسبابه .
تردد الرجل كثيرا ، وغاب النوم عن عينيه طيلة هذه الفترة ، وهرول لسؤال رجاله ومستشاريه ، ومن قبلهم استشار الجنرال الذي جعله نائباً له ، بعدما فات الأوان ، وقد نصحه النائب بأن لا مفر ولا محال من التنحي والرحيل الفوري عن كرسي الحكم ، بعد أخبره بأن حالة الاحتقان والغضب في الشارع المصري تزايدت عن آخرها ، وانتشرت دائرة التخريب والحرائق ، ثم حذرالحاكم المتخبط في إتخاذ قراره ، وأخبره بأن الضرر سيظل يلاحق وجه الوطن ويأكل في جسده ، مع كل لحظة تمر، وهو لايزال علي ذمة السلطة البائدة .
كانت تلك الاحداث العظمي تتم في نفس الوقت الذي اتجهت فيه فئة متغيبة من الشعب لاستغلال ما يحدث لاختراق قوانين الدولة والتعدي عليها ، هذه الفئة الظالمة المعتدية علي الحقوق والتي لا تمتلك من الوطنية مثقال ذرة ، ولا تعتبر لهيبة الوطن حجم درهم .
كانت البلاد تتأجج ، والحرائق والنيران تشتعل وتنتشر ، ولا تتوقف ، ولا تجد من يطفئها ، وكانت شتيمحافظات مصر في حالة من الغضب الممتزج بالخوف والتخبط بما هو قادم ، وما ستؤل إليه عواقب ثورتهم وسخطهم علي النظام المستبد ، ولم يكن غريباً أن تتعرض بعض المباني الحزبية للتخريب والحرق التام والتفحم وعلي رأسهم مبني الحزب الوطني المطل علي كورنيش النيل ، ثم تعرضت عدد من أقسام الشرطة القريبة من التحرير ومصر القديمة ووسط البلد للاقتحام وكذلك الحرق وتهريب المساجين وعناصر البلطجة والمسجلين خطر لاشاعة الفوضي والقضاء علي النظام والأمن والأمان داخل البلاد .
رأينا صمود الملايين من الثوار والثائرات رجالاً ونساءً ، شيوخاً تعدوا الستين ، وصبية في المدارس ، كلهم اعتصموا بميدان التحرير ، وعلي كوبري قصر النيل بالقاهرة رأينا مدافع المياة الجارفة تنهال صوب المتظاهرين كالمدافع الرشاشة أو طلقات الأسلحة الفتاكة ، وقف الملايين وجلسوا وأقاموا الصلاة وهم تحتهم المياه وفوقهم المياه ، وأطالوا السجود والتضرع إلي الله أن يكشف عنهم تلك الغمة الكبري ، ومدافع المياه تنهال علي أجسادهم كالطلقات أو القنابل التي ربما تخترق أجسادهم ، وقد صموا ولم يخافوا أو يهربوا أو يترددوا ، واعتبروا أن الأمر برمته ، قضية حياة وانتصار أو موت وإستشهاد ، ولو إن طاوع كل شخص شيطان نفسه ، لفرَ الجميع – حينئذٍ – هرباً من بطش السلطة الحاكمة ، ولضاعت الثورة التي انتظرها – طويلاً – الجياع والمظلومين والمساكين وقبلهم الآكلون من القمامة وساكنوا العشوائيات ، ومعهم كل ذو ضمير وطني ويحب وطنه ، ولو كان ثريا وذو مال كثير ، فالوطنية هبه من الله لا تُشتري بالمال .
سطعت شمس يوم الثامن عشر من فبراير لعام 2011 ، وقد تحققت المعجزة السماوية ، وانصاع حاكم البلاد – لثلاثين عاماً – لنصيحة من نصحوه بترك كرسي الحكم ، وتكليف جيش مصر بإدارو شئون البلاد ، حتي عمت الأفراح جميع محافظات مصر ، واقيمت الاحتفالات الكبيرة ، واستمرت الأيام وليالي ، فرحاً وابتهاجاً وفخراً بانتصار ارداة شعب .. وعزل نظام مبارك .. وتولي الجيش المصري إدارة شئون البلاد .. ولذلك فللحديث بقية .. لنحكي عما أعقب ثورة يناير المعجزة ، من أحداث تنوعت ما بين السكون وتجدد حالة الغضب .. سنكمل الحكاية إن كان في العمر بقية .. لنؤرخ للأجيال بعضاً من التاريخ الذي أبهر العالم ، واحترمه العدو قبل الصديق !!
Amirshafik85@yahoo.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى